دائما ما ترتبط امتحانات الثانوية العامة كل عام بعدة ظواهر تثير الجدل، أبرزها ظاهرة الغش الإلكترونى والبطل فيها دوما رواد مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك تذمر بعض أولياء الأمور من أى جديد وتصديق أخبار السوشيال دون تدقق، وهذا يرجع لعدة معتقدات وثقافات للأسف تأصلت خلال العقود الماضية، منها الإيمان بالمجاميع المرتفعة، فالمهم الحصول على نسبة نجاح كبيرة لا التفوق والمهارة والتعلّم.
ونتيجة لهذه الثقافات والمعتقدات، انتشرت ظواهر غير حميدة على رأسها الدروس الخصوصية، والاعتماد على الحفظ والتلقين لا الفهم والإبداع، لدرجة وصلت أننا وجدنا أولياء أمور يساعدون أبناءهم على الغش وهم يعلمون أن هذا حراما وخطيئة فى حق مستقبلهم، بل أن الكارثة أنهم يعلمون أن تفوق أبنائهم تفوقا وهميا لا قيمة له، ليصبح الحصول على مجموع مرتفع هو الهدف الرئيسى للالتحاق بكليات القمة بصرف النظر عن أى اعتبار أخر، لكن للأسف يؤدى هذا إلى الالتحاق بكليات والطلاب غير مؤهلين وليس لديهم القدرات التي تساعدهم على الإجادة والإبداع، أو يؤدى هذا إلى الالتحاق بكليات ليس لها نصيبا من سوق العمل فيما بعد، أو يؤدى إلى عدم تحقيق تكافؤ الفرص، الأمر الذى يعد مجرد بهدلة للطالب وأسرته بدون مقابل، فلا طالب تعلم تعليما جيدا ولا أسرة استفادت رغم المصروفات واستنزاف ميزانية المنزل والمشقة والجهد الذى بذل فى التحصيل القائم على الحفظ أو بالانزلاق في مصيدة السناتر والدروس الخصوصية أو اللجوء إلى الغش في الامتحانات، أو الاعتماد على الكتب الخارجية.
لكن مما لا شك فيه أننا هذا العام بصدد موسم مختلف للثانوية العامة، وخاصة بعد أن رأينا طريقة الامتحانات واختلافها عن الأعوام الماضية، والتى تعتمد اعتمادا أصيلا على الفهم والمعرفة، لتكشف حقيقة التفوق وتقيس الذكاء لدى الطلاب، الأمر الذى يعكس رؤية الدولة وإصرارها على التطوير والقضاء على السلبيات التي كانت سببا في انهيار المنظومة سابقا.
ورغم شبح الغش الإلكترونى، إلا أن الوزارة تعاملت معه حتى الآن بشكل مختلف أيضا سواء بالسرعة المطلوبة فى كشف الغشاشين والقبض عليهم، واتخاذ العقوبات الرادعة، وهنا يجب التفرقة، في أن خروج الأسئلة بعد بدء الامتحان ليس معناه تسريب وإنما محاولات غش، أما خروج أسئلة قبل وقت الامتحان هو ما يطلق عليه تسريب، وما يطمئن أن كل المحاولات الحادثة حتى الآن هى غش وليس تسريبا، ويتم التصدى بشكل رادع وسريع.
وهنا نتوجه بدعوة بضرورة التعاون لمساعدة الدولة في سعيها لتطوير منظومة التعليم، والتصدى جميعا لمشكلات امتحانات الثانوية العامة سواء تسريب أو غش لأن الثانوية العامة بمثابة أمن قومى، وأيضا تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، والقضاء على ظاهرة التفوق الوهمى، وحتى لا تكون هناك بهدلة بدون مقابل لأبنائنا، والمساعدة للاتجاه الصحيح في تطبيق منظومة التعليم الجديدة التي تعتمد على الفهم لا الحفظ، وتزيد من اكتساب المهارات وتقوى عناصر الإبداع، وتحارب ظاهرة الدروس الخصوصية التي تعد بمثابة طاعون للأسرة.
وختاما.. ندعو لأبنائنا بالتوفيق والنجاح، ونتمنى أيضا النجاح للدولة في تحقيق هدفها نحو التطوير رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها حتى لا تضييع خطوات التطوير هدرا، وخاصة أن هناك رغبة من الدكتور طارق شوقى وزير التعليم، من تغيير المنظومة بأكملها لتتحول من التعليم إلى التعلّم، بل إحداث ثورة تجعل أبناءنا على مسار التقدم المعرفي، وليس التعليم للحصول على الشهادات، والتفوق الحقيقى لا الوهمى..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة