محمد حبوشه

هند صبري.. نجمة الأدوار الصعبة فى السينما والتلفزيون

الجمعة، 23 يوليو 2021 09:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يمكن أن يكون الفن عبارة عن هوية شخصية لا تخرج من كيانها ولا تمتلك من الطموح ما يجعلها قادرة على التشرب من الثقافات الأخرى؟.
 
الفنان الذي لا طموح له قد يستطيع أن يجيد أيضاً، لكنه لن يستطع مستقبلاً أن يجد نفسه وقد أصبح فنانا يتجاوز حدود بلده وثقافته لكي يصبح من الأسماء الكبيرة في عالمه، بل ربما بقي محدود العمل والمكانة حتى بما رضي به من حدود، هذا ما يفرّق بين طموح فنان وآخر. واحد يريد أن يصبح "نجما" أولا في بلده، وربما استطاع، والآخر يريد أن يصبح ممثلاً معروفاً ليس في بلده ولا حتى في منطقته فقط بل على صعيد عالمي.
 
هذا تماما ما أرادته النجمة التونسية المولد والنشأة ، مصرية الهوى والهوية، فلم تكتف بإثبات وجودها في بلدها فقط لأنها واحدة من هؤلاء الذين لا يمكن له أن يقتنع بالرقعة التي يحتلها ولا ريب أنها كان ستحقق نجاحا كبيرا، لكنه الطموح، وليس السقف، هو ما يتطلع إليه الفنان، الطموح، على عكس الظروف، لا يعرف حدودا ولكل فنان الحق المتاح في أن يمارسه ومصر كانت دائما الميدان الذي ينفذ فيه الفنان أقصى طموحاته آنذاك واليوم. صباح وفريد الأطرش وعبد السلام النابلسي والأخوان لاما بالأمس، وهند صبري وجمال سليمان وهيفاء وهبي اليوم وسواهم الكثيرون أموا القاهرة حيث استقبلتهم بالأحضان. 
 
بعضهم ومنهم "هند صبري" ترك بلاده على نحو شبه نهائي سعيا وراء طموحه، كان لديها السبب الرئيس في الانتقال إلى مصر وهذا السبب هو أن الفن في مصر كان متقدما وكان صناعة كاملة في أي شأن ثقافي أو فني، وكان لدى مصر السبب الرئيس أيضا في استقبالهم بالترحاب، إنه السبب ذاته الذي دفع هوليوود لاستقبال كل أولئك السينمائيين الأوروبيين والآسيويين الذين توجهوا إليها إما هرباً من النازية وإما لأن لذعة "الحلم الأميركي الكبير" كان أكبر من أن تُقاوم، مصر أيضا مثلت حلما مهما لدى طالبيها وهي لم تبخل مع "هند صبري" التي سرعان ما انطلقت في قلب السينما وحققت بطولات مهمة دفعت بها نحو آفاق أرحب في ساحة الفن المصري.
 
اجتهدت "هند صبري" منذ أن وطأت قدماها أرض مصر، فاستطاعت أن تجعل لنفسها أسلوبا خاصا بها يميزها عن غيرها من نجمات جيلها، وفي الوقت نفسه تحاول التمرد على ملامحها والابتعاد عن أي دور مكرر، حيث ترى أنها بحاجة لتقديم أدوار جديدة عليها وتبعدها عن ملامحها وشكلها، تغرد دائما خارج السرب، وهى من أولئك الممثلين الذين يأخذون أنفسهم بالشدة فى التزامهم الصدق الى حد أنهم يبلغ التزامه 100% وتلك هى الغاية القصوى التى تبلغ حد الزيف، لذا تراها دائما متزنة وغير متحيزة، وذلك انطلاقا من قاعدة : "إنك تحتاج الى الصدق في الأداء بالقدر الذى يتيح لك الإيمان بما تفعله"، وتدرك جيدا كيف تستخدم ذاكرتها الانفعالية بأن تحاول خلق شيئ من جديد بدلا من أن تبدد جهودها فى محاولة إحياء ما مضى ؛ فهي لا تشغل بالها بالزهرة في أدائها وإنما يكفى أن تروى جذور الشجرة، أو تغرس بذورا جديدة ولا تفكر فى الشعور نفسه بل الى الظروف التى أدت الى هذا الشعور.
 
وكأنها في أدائها العذب تقول لك : "انظر! هذا الشخصية الذي أؤدي دورها تتألم، ولكن مهلا! حذار أن تندفع فتتوحد به وتتألم معه لأن ذلك لا قيمه له، المهم هو أن نعرف، أنا وأنت مالذي يجعله يتألم، ثم نفكر معا ونتدبر ونعمل ملكاتنا الناقدة، فاذا ما اقتنعنا بآلامه ذهبنا نبحث عن مسبباتها في وجوده الاجتماعي، حتى نعمل على إزالتها، ومع كل ذلك فقد حققت أكبر معدل من الاندماج الانفعالي بالشخصية التي تتقمصها عبر مسيرته الفنية متحررة من الرخامة في الإلقاء - التي عادة ما تشغل المشاهد عن استيعاب معنى الكلمات - بل إنها كانت تضفي على صوتها وفرة من الزخرفة الصوتية التي تضفي نوعا من المصداقية في التعبير عن آلامها وأحزانها بعد فك قيدها واستعادة ذاكرتها وإطلاق حريتها في نهاية حلقات أي عمل تؤديه.
 
بدايتها مع التمثيل كانت في سن الرابعة عشرة في الفيلم التونسي (صمت القصور) في عام 1994، لكن نقطة التحول في مسيرتها كانت من خلال فيلم "مذكرات مراهقة" الذي كان يعتبر الفيلم الأكثر إثارة للجدل في عام 2002، 
ولا زلنا نتذكر تلك الفتاة الرقيقة الذي لم يكن يعرف اسمها وقتها، وهى تلعب دور المراهقة التي تحلم بالحب وبفارس الأحلام بصورة مثالية، وتتخيل نفسها كليوباترا ملكة مصر، وأن فارسها هو أنطونيو قائد الجيوش والعاشق المغرم بها، بعدها اكتشف الجمهور أنّ هذه الممثلة الصغيرة التي أدت دور المراهقة ببراءة شديدة هى التونسية هند صبري، والتي جاءت بها إيناس الدغيدي من تونس إلى مصر، خصيصا لهذا الفيلم لأنها رأت شخصية جميلة بطلة الفيلم في هند بصورة كبيرة، وراهنت على أنّها ستكون ممثلة لها شأن عظيم، وهو ما حدث بالفعل.
 
وبالفعل أعطاها دورها في هذا الفيلم شهرة واسعة وخلال فترة قصيرة من الزمن أصبحت واحدة من أبرز الممثلات التونسيات في مصر والعالم العربي، وقدمت هند أدواراً مميزة في العديد من الأفلام المصرية أبرزها "مواطن ومخبر وحرامي – 2002، وبنات وسط البلد - 2005"، كذلك في عام 2006، شاركت هند صبري في بطولة الفيلم الشهير "عمارة يعقوبيان" مع عدد من أبرز نجوم السينما المصرية من بينهم: عادل إمام، وخالد الصاوي، ونور الشريف، وسمية الخشاب، ويسرا وإسعاد يونس.
 
لعبت هند صبري دور "بثينة" في هذا الفيلم الغني عن الشهرة "، والذي كتب له السيناريو والحوار وحيد حامد، وأخرجه مروان حامد في عام 2006، وقد كان الفيلم جريئا جدا في وقته من الناحية السياسية والجنسية أيضا، وتعرض لحملة انتقادات عنيفة، في نفس الوقت الذي تمت الإشادة به من بعض المثقفين بمصداقية الأحداث وقربها من الواقع الذي لا تقترب منه السينما كثيرا، وقد برعت "هند صبري" في تجسيد شخصية "بثينة" تلك الفتاة الفقيرة قليلة الحظ التي تسكن هي وأسرتها في سطح عمارة يعقوبيان الموجودة بوسط البلد، والتي تتنقل للعمل بين محال الملابس، هربًا من طمع أصحاب المحلات في جسدها، وبهذا تكون قد حققت حلم طفولتها، والذي كان أن تقف أمام الزعيم عادل إمام كممثلة، بالإضافة إلى أن دورها بمفرده كان دورا مميزا وأدته بأفضل صورة ممكنة.
 
ويعتبر فيلم "الجزيزة" هو قمة فترات تألق "هند صبري" في السينما المصرية فقد لعبت دور "كريمة" في هذا الفيلم الملحمي الذي نجح نقديًا وجماهيريًا، وحقّق إيرادات عالية في شباك التذاكر عام 2007، تلك الفتاة الصعيدية العاشقة في نصف الفيلم الأول، والمطاردة الهاربة في نصفه الثاني، وقد أتقنت هند اللهجة الصعيدية بشكل رائع، وبرعت في دور كريمة التي خاب أملها في حبيبها الذي تزوج من أخرى إرضاء لوالده فحسب، وبعدما نجحا معا هند صبري وأحمد السقا، في فيلم الجزيرة عام 2006، يعودا للعمل مجددا مع النجم الراحل محمود عبد العزيز في فيلم إبراهيم الأبيض الذي عُرض عام 2009 وحقق نجاحًا كبيرًا هو الآخر.
 
أدت هند صبري في فيلم إبراهيم الأبيض دور "حورية"، الفتاة الشعبية التي تتمتع بالشراسة في الدفاع عن نفسها أو عن أخيها المعاق، وهى الفتاة التي يشتهيها الجميع ولكنها محرمة عليهم لأنها في حماية زعيم المنطقة عبد الملك زرزور (محمود عبد العزيز) الذي يود الاحتفاظ بها لنفسه، واستطاعت هند أن تقدم دور "حورية" بشكل يختلف عن أي دور قدمته سابقا، فاستطاعت إقناعنا بملابسها الشعبية الألوان وشعرها الأشعث وطريقة حديثها الفجة، بأنها الفتاة التي تنتمي للحارة الشعبية، حيث اعتادت على محاولات التحرش بها، والتهكم على أخيها المريض، لذا سيظل دور "حورية" من أهم الأدوار التي قدمتها هند صبري في مشوارها الفني كله.
 
أما أبرز أدوارها في الدراما التليفزيونية فكان في عام 2017 من خلال مسلسل "حلاوة الدنيا" في شهر رمضان، وقد أثار إعجاب الملايين من الناس في الوطن العربي، لقصته المؤثرة وللبعد الإنساني والرومانسي الموجودين به، وظلت الناس لفترة تتحدث عن قوة أمينة (هند صبري) التي قهرت المرض الخبيث، وعن رومانسية ونبل سليم (ظافر العابدين)، وعن علاقتهما الجميلة التي شاهدناها منذ البداية. دور إنساني آخر لعبته هند صبري ونجح نجاحًا كبيرًا، كما أنّه ألهم الكثيرين ممن أصيبوا بهذا المرض كي يتحلّوا بالشجاعة ويقاوموه كما فعلت أمينة.
 
لقد أصبحت هذه الفنانة الموهوبة بالفطرة، والناجحة في تقمص الشخصية التي تقوم بأدائها على أكمل وجه، واحدة من القلائل الذين يصعب معرفة أنهم ليسوا مصريي الجنسية، فهي تتقن اللهجة المصرية بشكل قوي، ومن ثم أصبحت التونسية التي دخلت قلوبنا وقدمت أعمالا مميزة جدا في وقت قصير، وذلك لأنها مخلصة إلى درجة التفاني .. مجتهدة إلى درجة الإتقان .. ومن هنا فإن نشاطها وحيويتها وتجددها جعلتها واحدة من أهم نجمات السينما والدراما التليفزيونية المصرية والعربية.
 
وهو ما أكدته من خلال تجسيدها لشخصية عميلة المخابرات "دينا أبو زيد" في مسلسل "هجمة مرتدة" في موسم رمضان 2021، وقد برعت في أداء دورها بطريقة ومميزة، باعتبار أن "دينا" تمثل رمز للوطنية، محبة جدًا لبلدها، ومن ثم احتاجت منها مجهودا كبيرا للتعايش معها ومع ظروفها حتى تخرج بمصداقية، خاصة أنها تعلم جيدا أن لكل شخصية عالمها ودوافعها وخلفياتها، وحتى ذوقها فى الملابس، وطريقتها فى الحديث، والأحداث التى تتعرض لها دينا متعددة المشاعر وصعبة وتتطلب مجهودا كبيرا، لحظات ثبات وانهيار وعاطفة وحنين للماضى وخوف من المستقبل وكلها مشاعر متناقضة لكنها نجحت في تجسيد شخصيتها على نحواحترافي، إنطلاقا من فهمها العميق أن المسلسل هو الأقرب إلى ما يمكن اعتباره رسالة مباشرة من جهاز المخابرات المصري إلى الرأي العام، ما دامت أحداثه كما يقول صناعه مستمدة من ملفات هذا الجهاز.
 
بقي أن نقول أن هند صبري في ذات الوقت الذي تتألق فيه فنيا وإبداعيا، تعتبر واحدة من أبرز أربع نساء ساهمن بشكل مباشر في الترويج لحركة انتفاضة المرأة العربية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وهى حركة تساهم في الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة، وذلك طبقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة.
 
 وتعتبر النجمة هند صبري من الشخصيات التي تهتم بالقضايا الاجتماعية والإنسانية فهي تشارك في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة منذ عام 2009، وذلك لتساهم برفع الوعي حول مشكلة الجوع التي تعاني منها الشعوب العربية وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى تعيينها كسفيرة لمكافحة الجوع في برنامج الغذاء العالمي، وبسبب جهودها في هذه المجالات وكذلك مكافحة الفقر تم اختيارها كواحدة من ضمن قائمة أقوى 100 إمرأة عربية، وذلك من خلال مجلة CEO Middle East في عام 2013.. تحية تقدير واحترام للتونسية الولد والنشأة .. مصرية الهوى والهوية هند صبري.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة