لم يكن نابليون بونابرت رجلا سهلا، وقوته كانت فى عقله، عن نفسى كلما استغربت تقبل المصريين للحملة الفرنسية فى البداية وكيف سمح المصريون بالخدعة أن تنطلى عليهم، وكيف أنهم لم يلمحوا الاختلاف الشاسع بينهم وبين ضباط الحملة، أجدنى أفكر فى السياق التاريخى الذى كان، وفى الفارق بين العالمين، فقد كان المصريون يعانون فى مرحلة من الثبات فرضها عليهم المماليك والعثمانيون، بينما كانت أوروبا تشتعل بالأفكار.
وكى نقترب من الفكرة أحكى لكم قصة الاشتغالة الكبرى التي راح ضحيتها شيوخ الأزهر ومن خلفهم بقية المسلمين، قدم الكاتب المسرحى الكبير على أحمد باكثير ثلاثية مسرحية عن الحملة الفرنسية هى (الدودة والثعبان، أحلام نابليون، مأساة زينب)، وذكر خلالها قصة غريبة مفادها أن ستين شيخا من شيوخ الأزهر تحركوا فى احتفالية كبرى إلى مقر حكم نابليون بناء على موعد معه كى يعلن إسلامه، وراحوا يهتفون وينشدون ما معناه " رددوا التحية.. واحلفوا اليمين.. الفرنسوية صاروا مسلمين"، وراح الناس يتبعونهم فى الشوارع، حتى وصلوا مقر الحكم، فلم يهرب منهم نابليون بونابرت ولم يختبئ بل قابلهم، وقال لهم بأنه حلم بالنبى محمد، عليه السلام، وأنه طلب من النبى سنة سماح يعيد فيها بناء جيشه وترتيب أوضاعه، ثم يدخل بعدها دين الإسلام.
تخيلوا أن الشيوخ صدقوه وقالوا له ولأنفسهم "إن من يرى سيدنا النبى عليه الصلاة والسلام فى الحلم فقد رآه حقا" وخرجوا من عند قائد الحملة الفرنسية يكملون هتافهم، وينتظرون عاما جديدا.
هذه القصة وجدت لها دلالة فى مذكرات نابليون فى مصر التى صدرت ترجمتها عن المركز القومى للترجمة، وهى فى مجملها تدل على أن نابليون قد درس جيدا "عقل" المجتمع قبل أن يحتله، بينما المحتل لم يشغل نفسه ليفهم "عقل" الفرنسيين واشتغالاتهم.