"يوم الخلاص".. هكذا يمكننا أن نصف يوم 3 يوليو 2013، عندما استجابت القوات المسلحة لنداء ملايين المصريين الذين احتشدوا في الشوارع منذ اندلاع ثورة الـ30 من يونيو، للمطالبة بإنقاذ البلاد من قبضة الجماعة التي استحلت دمائهم، في انعكاس صريح للدور الوطنى الذى طالما لعبته المؤسسة العسكرية، والذى تجلى في العديد من المواقف سواء في حماية الحدود من أي اعتداء خارجى، أو عبر توحيد الجبهة الداخلية تحت رايتها في ظل الثقة الكاملة التي تحظى بها من جانب الشعب بأكمله، باختلاف توجهاته وانتماءاته، وهو الدور الذى لا يقتصر نطاقه على الواقع الحديث، وإنما يمتد إلى فجر التاريخ، منذ عجلات أحمس الحربية، والتي دهست هؤلاء الذين سعوا إلى النيل من مقدرات المصريين.
ولكن بعيدا عن الدور الوطنى الذى تلعبه المؤسسة العسكرية المصرية، والذى يشهد له القاصى والدانى، تبقى هناك الحاجة ملحة إلى التأمل في النقاط التي أثارها خطاب 3 يوليو التاريخى، والذى يعد بمثابة ميثاق "دولة الـ30 من يونيو"، حيث تضمن بنودا إجرائية، كشفت خارطة طريق إدارة الدولة، في مرحلة ما بعد الثورة، وعلى رأسها تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا لشئون البلاد خلال فترة انتقالية، وتجميد العمل بالدستور، وغيرها، بينما حمل بنودا أخرى، يمكننا اعتبارها "خطة طويلة المدى" تعكس أهم الملامح التي تشكل الصورة الجديدة لمصر "ما بعد الثورة"، التي أعادت النبض للبلاد والعباد، بعد سنوات الفوضى، وعدم الاستقرار منذ بداية ما يسمى بـ"الربيع العربى".
ولعل أبرز ما تضمنه الخطاب التاريخى، هو التأكيد على أهمية توفير أسباب الثقة والاستقرار والطمأنينة للشعب المصرى، وهو الأمر الذى ربما يمكن فهمه في تلك اللحظة بناءً على اعتبارات تتعلق بالتهديدات التي فرضتها الأوضاع التي سادت قبل 30 يونيو، والتي شهدت تهديدات صريحة بالقتل لكل معارض لتوجهات الجماعة ومواليها، بينما يحمل في طياته رؤية أكثر اتساعا، تشمل في جوهرها محاولات زعزعة الاستقرار، عبر أذرع إرهابية سعت لتهديد المصريين، سواء في داخل الأراضى المصرية، ومن الخارج، خاصة من دول الجوار، ناهيك عن أوضاع اقتصادية شبه منهارة، ومحاولات دولية وإقليمية، تسعى فقط ليس لدحض الدور المصرى، وإنما أيضا لتأجيج الفوضى، لضمان عدم العودة من جديد لأى دور في المستقبل.
فلو نظرنا إلى الأوضاع في الفترة بين عامي 2011، وحتى 2013، نجد أن ثمة الكثير من العوامل التي شكلت أساسا لحالة القلق لدى المصريين، لا تقتصر على الأوضاع السياسية القائمة، وإن كانت أبرزها، ولكنها تضمنت أيضا حالة التدهور الاقتصادى الكبير الذى ضرب البلاد خلال تلك الفترة، وبالتالي فكانت أولويات مرحلة "ما بعد الثورة"، هي القضاء على تلك التهديدات، من أجل تحقيق الاستقرار والطمأنينة لدى المصريين، عبر الحرب على الإرهاب، جنبا إلى جنب مع استعادة وتيرة النمو الاقتصادى، وهو ما انعكس على النجاحات الكبيرة التي تحققت في السنوات التي تلت 30 يونيو.
من جانب أخر، لم يخلو الخطاب الشهير من الحديث عن الشباب، باعتبارهم "وقود" الثورة"، التي ساهمت بجلاء في استعادة الدولة بعد سنوات الفوضى، وبالتالي فكانت الكلمات واضحة حول تمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكونوا شركاء في القرار، وهو ما تجلى بوضوح، ليس فقط في وضعهم بالمناصب التنفيذية الهامة، وإنما أيضا في الحرص الشديد من قبل الدولة المصرية في استطلاع رؤيتهم، في العديد من المناسبات ربما أبرزها المؤتمرات التي تعقد بصورة دورية، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، في انعكاس صريح للأهمية الكبيرة التي توليها الدولة ومؤسساتها لهذا الجانب، من المجتمع المصرى، بعد عقود من التجاهل.
ويعد التركيز على الشباب وتمكينهم، بمثابة أحد أهم الطفرات التي حققتها "دولة 30 يونيو"، خاصة إذا ما نظرنا إلى النهج الذى تبنته الحكومات السابقة، والذى اعتمد السن كـ"معيار" رئيسى للحصول على المناصب الكبرى، وهو ما يعكس الاختلاف الكبير في الرؤية التي تبنتها مصر، بعد الثورة، إذا ما قورنت بالنهج السائد لعقود طويلة قبلها.
وهنا يمكننا القول بأن خطاب 3 يوليو لا يرتبط باللحظة التي خرج فيها، لتلبية نداء لحظى أطلقه ملايين المصريين في الشوارع والميادين، في مختلف المحافظات، وإنما يمثل "ميثاقا"، أطلقه القائد، بينما وقعه الشعب بحناجرهم المؤيدة تارة، وبمباركتهم لخطوات القيادة المصرية فى السنوات التي تلته تارة أخرى.