تتسارع الأحداث فى أفغانستان بشكل لم يكن حتى أكثر المتشائمين يتوقعونه. فبعد أن كانت تحذيرات الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن سقوط البلاد فى يد طالبان مجددا يمكن أن يحدث فى غضون سنوات قليلة، فإن السقوط بات أقرب ربما فى غضون أشهر أو حتى أسابيع.
فقد استولت حركة طالبان اليوم الجمعة على مدينة قندهار، ثانى أكبر المدن فى أفغانستان، بحسب ما قال عضو البرلمان الأفعانى جول أحمد كامين لشبكة سى إن إن، مع مواصلة الحركة تقدمها السريع نحو العاصمة كابول.
وأوضحت "سى إن إن" أن قندهار، التى تقع جنوب البلاد كانت محاصرة من قبل طالبان على مدار أسبوعين، ويعتبر كثير من المراقبين سقوطها بداية النهاية للدولة التى ساندتها الحكومة الأمريكية.
وفى بيان لها اليوم، الجمعة، قالت طالبان أنها استولت على مكتب الحاكم ومقرات الشرطة وأيضا مراكز عملياتية رئيسية أخرى عبر المدينة. وذكر بيان طالبان أنه تمت مصادرة أيضا مئات الأسلحة والحافلات والذخيرة.
وقال النائب كامين إنه وكثيرين آخرين قد توجهوا إلى قاعدة عسكرية قريبة من المطار الدولى بالمدينة وينتظرون طائرة للخروج منها، وأوضح أن العديد من الجنود الحكوميين قد استسلموا بينما فر الباقون.
قندهار
وكان كامين قد صرح فى وقت سابق لسى إن إن أن مقاتلى طالبان قد استطاعوا اقتحام الخطوط الأمامية للمدينة، وكانوا ينخرطون فى مواجهات متفرقة مع القوات الحكومية.
ولفتت سى إن إن إلى أن قندهار التى تقع على تقاطع ثلاث طرق سريعة رئيسية، لها أهمية إستراتجية خاصة وكنت فى السابق مركزا رئيسا للعمليات العسكرية الأمريكية. ويمثل الاستيلاء عليها أكبر مكسب حتى الآن لطالبان، التى سيطرت حتى الآن على 13 من عواصم أقاليم البلاد البالغ عددها 34.
وجاءت الغالبية العظمى من مكاسب طالبان على الأرض منذ انسحاب القوات الأمريكية الذى بدأ فى مايو الماضى، ومن المقرر أن يكتمل بحلول أواخر أغسطس
وفى ظل هذه الأحداث، بات السؤال الذى يردده الكثرون هو: من يتحمل مسئولية ما حدث وما سيحدث؟ صحيفة جارديان البريطانية قالت إن الولايات المتحدة تتحمل جزءا كبيرا من مسئولين الكارثة العسكرية فى أفغانستان، مشيرة إلى أن البيت الأبيض متهم بالإشارة بأصابع الاتهام، بشكل ظالم، إلى الجيش الأفغانى بعد عقود من سوء إدارة الحرب.
وذكرت الصحيفة أنه مع سقوط عواصم أقاليم أفغانستان الواحدة تلو الأخرى فى يد طالبان، كانت الرسالة من واشنطن إلى الأفغان الذين يواجهون الهجوم أن نجاتهم بأيديهم وحدهم.
حيث قال الرئيس الأمريكى جو بايدن إن عليهم أن يقاتلوا بأنفسهم، يقاتلوا من أجل بلدهم، فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكى إن لديهم ما يحتاجونه، وهو أنهم بحاجة لتحديده هو ما إذا كانت الإرادة السياسية ستقاتل.
لكن على الرغم من أكثر من 80 مليار دولار من المساعدات الأمنية الأمريكية منذ عام 2002، وميزانية عسكرية سنوية تتجاوز بكثير تلك التى تضعها الدول النامية الأخرى، فإن المقاومة العسكرية الأفغانية لطالبان تنهار بسرعة أكبر مما كان يتوقع حتى أكثر المتشائمين. فهناك حديث بين المسئولين الامريكيين أن كابول ستسقط فى غضون أشهر، إن لم يكن أسابيع.
وتشير مقابلات مع مسئولين سابقين كانوا مشاركين عن قرب فى السياسة الأمريكية فى أفغانستان إلى الشبكات المتقاطعة من العوامل التى تقف خلف الانفجار الداخلى، وبعضها كان قيد الإعداد لفترة طويلة، والبعض الآخر كان نتيجة لقرارات تم اتخاذها فى الأشهر القليلة الماضية.
وفى حين أن هناك إجماعا على أن فشل القيادة والوحدة فى كابول قد لعبا دورا مهما فى سقوط أوراق الدومنيو والهزائم المتتالية، إلا أن هناك اتفاقا أيضا على أن محاولة إلقاء اللوم كله على الأفغان يحجب نصيب المسئولية التى تتحملها الولايات المتحدة وحلفاها فى هذه الكارثة العسكرية.
وتوضح التقييمات الصريحة للولايات المتحدة والمسئولين والجنود المتحالفين معها والمسجل فى تقارير الدروس المستفادة التى فوض بها الكونجرس، وحصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" أن بعض المشكلات الواضحة جدا اليوم كانت لها أصولها فى بداية الوجود العسكرى بقيادة أمريكا فى أفغانستان.
ففى السنوات الأولى، عندما كانت طالبان هاربة، عزف البنتاجون تحت قيادة دونالد رامسفيلد عن تمويل القوات الأفغانية لاسيما بعدما سحب غزو العراق بعض الموارد والانتباه.
وفى المراحل اللاحقة، وعندما أعادت طالبان تنظيم نفسها مرة أخرى والعودة، سارع التحالف لبناء قوات الأمن القومى الأفغانية التى تضم الجيش والشرطة والميليشات على نطاق هائل، وبلغ مجموعها أكثر من 350 ألف فى ذروتها، مما أدى إلى تقليص التدريبات والتمويل.