هناك إدراك بأن إنهاء العشوائيات ونقل سكانها هو خطوة من بين خطوات كثيرة تتعلق بمكافحة الفكر العشوائى، الذى أنتج هذا الارتباك والتزاحم، والواقع أن سكان العشوائيات ربما كانوا مضطرين بسبب غياب البدائل، واختلال نظام الإسكان، لكن هناك فئات وأفرادا لم يكونوا مضطرين، لهذا سعوا إلى الربح، وتاجروا فى الأراضى والمساكن، وأقاموا أبراجا فى شوارع ضيقة، وأغلقوا مداخل ومخارج واعتدوا على أراض زراعية، بل وعلى نهر النيل، وأقاموا فيلات وقصورا وقاعات أفراح.
الواقع أن الفكر العشوائى هو الذى أنتج مخالفات البناء، وحوّل بعض الأحياء إلى ما يشبه العشوائيات، من حيث التكدس وفقدان المساحات الآمنة، والاستيلاء على الأرصفة ونهر الشارع، وانتزاع مساحات وإغلاقها بالجنازير، وفرض إتاوات، وكل هذا تم بتواطؤ من المحليات والإدارات الهندسية على مدى عقود، سلوكيات نشأت بسبب عدم تطبيق القانون والاستسلام لفكر عشوائى، يسهل للمخالفين ويعاقب الجادين والملتزمين ويدفعهم للمخالفة.
قلنا من قبل إن مَن هدم الفيلات ليقيم أبراجا يمارس عشوائية خارج القانون، ومَن يضيف بلكونة إلى شقة الإسكان يلفق حلا لتوسيع مساحة مسكنه، ومَن يبنى برجا من عشرة أو خمسة عشر دورا فى شارع عرضه 5 أمتار يسهم فى نشر العشوائية، وكلها كانت تتم علنا وبمعرفة وتواطؤ من الأحياء والإدارات الهندسية، وذلك فى أحياء القاهرة، مثل مدينة نصر، فقد تم تحويل شقق الدور الأرضى لمحلات، ولم يعد هناك فاصل بين السكنى والتجارى، وبعض ممن حصلوا على أراض من الدولة سقعوها وحولوها لتجارة، وبعضهم حول الأراضى الزراعية والصناعية إلى أبراج وفيلات سكنية، والبعض الآخر قسّم الأراضى وتاجر بها.
كل هؤلاء ساهموا فى نشر العشوائية، وقبل سنوات تحركت الدولة بعد تعليمات الرئيس السيسى، لإزالة الاعتداءات على النيل بلا استثناءات، وتمت إزالة قصور ومبان أقامها بعض أصحاب المناصب، ونفس الأمر فيما يتعلق بالمصالحات أو الإزالات.
العشوائية إذن لا ترتبط بالفقر، بل إن الأبراج بمئات الآلاف حول الدائرى، وفى أحياء القاهرة والجيزة وغيرها أبراج فى شوارع ضيقة، وكل هذه الفوضى ظهرت مع قانون المصالحات، وأيضا عند محاولة توسيع الدائرى، وعندما تحركت الدولة لإزالة المخالفات، ظهر من يهاجم وينتقد، مع أنهم طوال الوقت يتحدثون عن القانون وتطبيق القواعد.
لم يختر سكان العشوائيات أن يعيشوا فى هذا العالم غير الإنسانى، وحتى لو كان العيش فى المناطق العشوائية، وسط الخنقة والتكدس، أنتج سلوكيات وأخلاق الزحام، فالمناطق العشوائية تنتج سلوكا عشوائيا، والزحام نفسه ينتج سلوكيات خارجة عن المألوف، حيث تؤكد الأبحاث الاجتماعية أن نصف السلوك تحدده بيئة المجتمع.
من هنا تأتى أهمية القواعد التى تطبقها الدولة فى التعامل مع الإسكان الاجتماعى، لتمنع الاتجار به، ويتم سحب الشقق من المتاجرين بها، وفى حين أكد الرئيس السيسى، أثناء افتتاح المشروعات السكنية، أن الدولة توفر مساكن لكل الفئات، فقد أشار إلى أن ما يقرب من 80 % ممن حصلوا على أراض لإقامة مشروعات صناعية لم يقيموا مبانى أو مشروعات، وهو ما دفع الدولة للتوجه نحو إقامة مصانع جاهزة للجادين، وبمساحات متفاوتة تصلح لمشروعات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة.
وبناء عليه، فإن مواجهة الفكر العشوائى، لا تقل أهمية عن إزالة العشوائيات، وهو ما يأتى من خلال توفير البدائل المناسبة، والوعى بأن ثمن العشوائية أضعاف ثمن الالتزام، وهو ما ظهر خلال الشهور الماضية، والتأكيد على أن العودة لما كان فى السابق غير ممكنة، وأن اتجاه الدولة للتوسع الجغرافى يسمح بتوفير مساكن للجميع، وبقدر ما أنفقت الدولة على إنهاء العشوائيات ونقل سكانها، تعمل بناء على تخطيط ينهى الفكر العشوائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة