مع اقتراب السيطرة الكاملة على الأراضي الأفغانية مقبل مسلحى حركة طالبان، يزداد القلق لدى دول العالم، من عودة تنظيم القاعدة، التنظيم الثاني الأكثر نفوذا فى أفغانستان، وأبرز أسباب الغزو الأمريكي للبلد في العام 2011، بعد هحمات الحادي عشر من سبتمبر، والأمر ذاته من القلق بسبب انتشار تنظيم داعش الإرهابي في ولاية خراسان الأفغانية، فضلا عن وجود مسلحى "شبكة حقاني"، مما يعتبره البعض بالحقبة الجديدة للانتشار الجماعات المسلحة في أفغانستان.
سيطرة طالبان على كابول
وفي غضون أيام استطاعت حركة طالبان الاستيلاء على عواصم الولايات الأفغانية حتى وصلت لحصار العاصمة كابول، يوم الأحد، وسط حديث متصاعد عن مفاوضات لاستلامها من الحكومة دون قتال، مما يقربها من حكم البلاد مرة ثانية، بعد عام 1996 التى احتضنت فيه تنظيم القاعدة وزعيمه السابق أسامة بن لادن حتى سقوط نظامها إثر التدخل الأمريكي في 2001.
وبدأت الدول بإجلاء رعاياه ودبلوماسييها من العاصمة كابول بعد دخول عناصر طالبان المدينة، وحدثت فوضى في مطار العاصمة، نتيجة للزحام الشديد من الراغبين في مغادرة البلاد خوفا من حكم الحركة.
تحذيرات من عودة تنظيم القاعدة للساحة الإرهابية
ومن جانبه حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، الجنرال مارك ميلي، من أن جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة، يمكن أن يعاد تشكيلها في أفغانستان، في أعقاب سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول.
فيما حذر وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، من انزلاق أفغانستان نحو حرب أهلية مع توالي سقوط المدن الأفغانية في يد حركة طالبان، مشيرا إلى أن بلاده قد تعود عسكريا إلى تلك البلاد إذا أصبحت ملاذا لتنظيم القاعدة الإرهابي مجددا.
قيادات تنظيم القاعدة
فمما لا شك فيها أن سيطرة طالبان على أفغانستان، ورحيل القوات الغربية من البلاد، سيعزز فرصة تنظيمي القاعدة وداعش الإهابي بولاية خراسان، في توسيع عملياتهما في أفغانستان، أو ربما غيرها من الدول المجاورة.
وأكد تقرير للأمم المتحدة صدر في أوائل العام الجاري حول التهديد العالمي للإرهاب، أن لدى تنظيم القاعدة "طموحات كبيرة، فهي مازالت متماسكة، ونشطة في العديد من المناطق، ولديها طموح في أن تطرح نفسها أكثر على المسرح الدولي"، وفي فبراير 2020، حذر أيضا رئيس الاستخبارات البريطانية أليكس يونج من عودة القاعدة.
تنظيم القاعدة الإرهابي يعتمد أيضا على فروع في عدة أقاليم ودول، مثل (القاعدة في المغرب الإسلامي - القاعدة في شبة الجزيرة العربية - القاعدة في شبه القارة الهندية - جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي وغرب أفريقيا- حركة الشباب في الصومال - تحرير الشام)، للعودة إلى ساحة الإرهاب الدولية.
فلا تزال العلاقة وطيدة بين حركة "طالبان" وبالأخص "شبكة حقاني" التابعة لها وتنظيم "القاعدة"، وهي علاقة قائمة على الصداقة وعلى تاريخ مشترك من النضال والتعاطف الإيديولوجي
ولادة جديدة لشبكة حقاني
سيطرة طالبان على أفغانستان يعد بمثابة ولادة جديدة لشبكة حقاني التى أسسها جلال الدين حقاني وتصنفها الولايات المتحدة الأمريكية حركة إرهابية وواحدة من أخطر الفصائل التي تقاتل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في العقدين الماضيين في أفغانستان.
وشبكة حقاني معروفة باستخدامها العمليات الانتحارية، ويُنسب إليها عدد من أعنف الهجمات في أفغانستان في السنوات الأخيرة.
ويقود الشبكة سراج الدين حقاني هو نجل أحد أشهر قادة الجهاد ضد السوفيات جلال الدين حقاني، وهو الرجل الثاني في طالبان وزعيم الشبكة القوية التي تحمل اسم عائلته.
مؤسسة شبكة حقاني جلال الدين حقاني
وقد اتهم أيضا باغتيال بعض كبار المسؤولين الأفغان واحتجاز غربيين رهائن قبل الإفراج عنهم مقابل فدية أو مقابل سجناء مثل الجندي الأمريكي بو برغدال الذي أطلق سراحه في 2014 مقابل خمسة معتقلين أفغان من سجن غوانتانامو.
ومقاتلو حقاني المعروفون باستقلاليتهم ومهاراتهم القتالية وتجارتهم المربحة، هم المسؤولون على ما يبدو عن عمليات طالبان في المناطق الجبلية في شرق أفغانستان، ويعتقد أن تأثيرهم قوي على قرارات الحركة.
فرصة داعش في ولاية خراسان
استطاع تنظيم داعش الإرهابي، الظهور في أفغانستان؛ بسبب الاختلافات التي كانت تختزنها حركة طالبان في داخلها، لاسيما بين السلفيين وبقية المنتمين للحركة، وبات انسحاب القوات الدولية من الأراضي الأفغانية وسيطرة طالبان عليها، بمثابة فرصة للتنظيم المتطرف "داعش" في إعادة هيكلة صفوفها مرة أخرى، ومن الحتمي أنه سيكون أحد عوامل عدم الاستقرار في المنطقة بأكمالها.
داعش في خراسان
ونظرا للإجماع الدولي على التخلص من تنظيم داعش الإرهابي في مناطق انتشاره، والتضييق الأمني والعسكري، التى تنفذه الجيوش النظامي ضد عناصر التنظيم المتطرف، لجأ الأخير إلى ما يسمى بالذئاب المنفردة، وهو عبارة عن خلايا فردية وصغيرة تعمل بسرية، بدلًا من العمل داخل هيكل القيادة، وتنفذ أجندة التنظيم، وأكبر مثال على ذلك هو عمليات الطعن والدهس المنتشرة في أوروبا.
ورغم الخلاف والقتال بين عناصر تنظيم القاعدة من جهة ومسلحى تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخر، إلا أن انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، وسيطرة طالبان على العديد من الأراضي، سيعزز قدرة تلك التنظيمات على إعادة الهيكلة وترتيب عناصرها مرة أخرى، بالإضافة إلى اعتماد داعش على هذه العناصر المنفردة لتنفيذ عمليات إرهابية، وهذا هو رهانه في القتال.