فى مفارقة عجيبة على منصات السوشيال ميديا، هناك من كان يتحدث عن إصلاح منظومة التعليم، ووجه اتهامات للدولة بالتقصير والإهمال، وطالب بانتشال الأبناء من وهم الثانوية العامة ومواجهة الدرس الخصوصية، لكننا نجدهم الآن وبعد إعلان نتائج الثانوية، يناقضون أنفسهم، حيث يقومون بمهاجمة التطوير بل يشنون حملات للتشويه ليصل بهم الحال أنهم يطالبون بالرجوع إلى الماضى الذى كانوا هم أنفسهم يعتبرونه كارثة وسبب ضياع هيبة الثانوية وأبنائهم، ليكون السؤال ماذا تريدون، تطوير أم لا؟
وأعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال، تحتاج منا أن نفرق بين جمهور العالم الافتراضى القابع وراء شاشة الكمبيوتر، وبين رغبة الناس الحقيقة فى التطوير وضمان مستقبل مشرق لابنائهم، وحالة الفرح الكبيرة لضبط وعودة الهيبة للثانوية العامة من جديد.
فليس كل ناجح متعلم، وهذا للأسف الشديد ما كان متبعا فى الماضى، ووقعنا جميعا فى فخ التفوق الوهمي الذى صنعته مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية, وطرق ووسائل التدريس القائمة على الحفظ والتلقين، لنكون أمام سؤال صعب، هل يعقل أن يحصل طالب على ١٠٢ فى المائة؟ والإجابة بإجماع خبراء التدريس والمناهج أن ارتفاع المجاميع الأعوام الماضية غير منطقية وتخدم الجامعات الخاصة.
نعم ليس كل ناجح متعلم، وأعتقد أن هذا لابد أن يكون شعار كل أسرة من الآن تريد مستقبلا مشرقا لأبنائها، وأن يكون الشغل الشاغل امتلاك الأبناء المهارات وليس الشهادات، لضمان معرفة القدرات وتوظيفها فى مكانها السليم ليتحقق النجاح الحقيقى، ويخفف الضغط على الأسرة، وينتهى الرعب والترهيب والتنمر فى هذه المرحلة المهمة.
وكما ذكرنا فى مقال سابق حول قراءة نتائج الثانوية العامة، فإن نتائج هذا العام بالفعل تؤكد أن الدولة نجحت فى وضع منظومة تعليمية وتقييمية، وان أهدافها تتطابق مع الحياة العصرية الحديثة، والتطور التكنولوجي الحادث الان، وأنها نجحت أيضا فى فرز الطلاب وفقا لقدراتهم ومهاراتهم الحقيقية، لأن النتائج عبرت بالفعل عن الواقع وتصويب لأخطاء الماضى.
واخيرا .. نقول، إذا كنا نريد تعليميا حقيقيا دون وهم أو تزييف، علينا أن نعيد النظر فى الثقافات السائدة حول الشهادات، وتغيير المفاهيم بشأن كليات القمة والقاع، ونعلم أن هناك فرقا بين التعليم والتعلم، ويكون لدينا رؤية واضحة وليست مشوشة للمستقبل ومعرفة متطلبات سوق العمل، وأن يكون لدينا وعى بأن هناك فروقا بين طلابنا، ونسعى بقوة وإصرار للتأهيل والتدريب، وكسب المهارات، فالنجاح الحقيقى ليس حكرا على أحد لكنه لا يتحقق إلا بالاجتهاد والمثابرة وتوظيف القدرات والمهارات..