مرَّ علينا عيد وفاء النيل هذا العام ككل عام ، عيد تذكرنا به أجندات المكاتب و أوراق النتيجة ، و هو عيد ابتكره المصريون القدماء ابتهاجا بنعمة فيضان ماء النيل ، ففيضان النيل يمر في مصر بثلاث مراحل الأولى يبدأ بموسم الفيضان ، ثم موسم الظهور ، و ينتهي بموسم الحصاد . وكان المصريون القدماء يعتمدون في تقويمهم على بدء المرحلة الأولى ( موسم الفيضان) .
و لا يزال وفاء النيل مناسبة وطنية سنوية إلا أنه ليس اجازة رسمية ، و تمنيت لو زاد الاهتمام بهذه المناسبة و صار عيد وفاء النيل يوم عطلة رسمية و يوم شكر لله أن جاد بهذا النيل علينا و يوم تذكير لحقوق هذا النيل و مراعاة عدم الإسراف في ماءه و التنبيه على كيفية حُسن جريانه ، و إذاعة مجهودات الدولة في تحسين الري به و تطهير روافده و ترعه و ما تقوم به من مشاريع بناءة في خدمة هذا الباب من خلال برامج هادفة توعوية جادة و ليستقر في وجدان شباب الوطن قيمة النيل و الذي هو شريان الحياة لبلادنا في ظاهر الأمر و باطنه ..
أما قيمته الظاهره فمعروفة فقيمة قطرة الماء لا تحتاج لكثرة كلام و لا دقيق بحث فهو أمر لا يغيب عن أحد و يدخل في كل مجال ليس طعام و شراب فقط ، فحتى بناء البيوت يحتاج للماء في أثناء الصبة و عمل المونة .. فهو أمر مفروغ منه
أما قيمته الباطنة ففي النيل سر عميق ، سر يشبه سر الروضة النبوية الغنَّاء الفيحاء المجاورة لمقام سيد الأنبياء فكما أن ما بين بيته المفخم و منبره المنور روضة من رياض الجنة بصادق الحديث الشريف ، كذلك النيل نهر من أنهار الجنة فالنيل ليس مجرد قطرات ماء عذب سلسبيل فحسب و لكنه يحوي في باطنه أسرارا روحية و تأثيرا باطنيا في الأعماق و القلوب يعرفه أهله من ذوي البصائر فهو ممدود من أمداد و إشراقات سدرة المنتهى فقد ورد في الصحاح حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : رفعت لي السدرة ، فإذا أربعة أنهار : نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، فأما الظاهران : فالنيل والفرات ، وأما الباطنان : فنهران في الجنة ) و قد نسب النيل لمصر فيما ورد موقوفا من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال " نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب" و إن كانت الروضة المشرفة جزء محدود مشرف من المسجد النبوي الأمجد إلا أن النيل أجراه الله في مصر من جنوبها لشمالها يدخل كل بيت و ينعم به الكل فمن مائه تسقى العباد و تشرب الدواب و تزرع زراعات هذا البلد المبارك بحق ، فماءه بركة ، و ثماره مباركة ، حتى لحوم أنعامه مباركة ، فالكل يروى من ماء الجنة ، و لذا وصفها الله في كتابه بالمقام الكريم .. و من هنا تدرك كيف تحيا هذه البلاد الطيبة رغم كل التحديات و الصعاب و المؤامرات حياة أفضل و أطيب من عشرات غيرها فهي بلد ذات خصوصية عند ربها و عند نبيها حيث أكرمت نسله الشريف و لا تزال تعتني بذكراهم و مقاماتهم .. ما أكرمك على الله يا مصر .. حفظك يا بلادي و حفظ نيلك و ضاعف بركته فيك و حفظ شعبك الطيب و ولي أمرك القائد المؤيد الورِع و جيشك الباسل الرائد و أدامك في أمن و رخاء و سلام .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة