جسد نجيب محفوظ القهر الذى تواجهه المرأة فى أعماله الأدبية فى إشارة إلى رغبته فى تحرير النساء مما يحيط بهن من أحوال اجتماعية غير مواتية، فجاءت شخصية أمينة فى الثلاثية لتمثل القهر الذى عاشته المرأة قبل عقود، فالسيدة التي عاشت طوال عمرها تخدم السيد أحمد عبدالجواد وأبنائه لم تكن لتجرؤ على الخروج من بيتها ولو حتى لزيارة سيدنا الحسين الذى ما إن زارته حتى واجهت بينها وبين نفسها الإحساس بالخطيئة لدرجة أنها فى النهاية اعترفت لزوجها بما فعلته باعتباره جريمة كبرى.
وقد جسد ببراعة الصراع النفسى الذى عاشته بعد أن خرجت دون إخبار زوجها وإحساسها العميق بالذنب ورغبتها فى الاعتراف، لتكشف من ناحية عن قهر تواجهه وتجبر يوجهه إليها السيد أحمد عبدالجواد.
لكن هل عاشت وحدها القهر؟ لم تكن أمينة وحدها التي عاشت القاهرة، فنور فى اللص والكلاب تعيش فى بيت بجوار المقابر، وتحب سعيد مهران الهارب من البوليس لكنها تعيش معذبة فى حبه فكل محاولاتها للتقرب إليه لا تنجح على الرغم من تسترها عليه، لكن وصف نجيب محفوظ لما تفعله يفوق الوصف فهى وإن كانت تعانى من طريقة تعامل سعيد مهران معها إلا أنها لا تملك حتى الاعتراض فهى صامتة أمام صلفه، تطيع أوامره وإن لم تكن مقتنعة بما يقول، وتفعل ما يشير إليه إشارة بسيطة دون تأخر أو تفكير أو مراجعة.
فى زقاق المدق تتعرض حميدة للاستغلال وهي لا تريد شيئا سوى أن تعيش حياة أفضل، أما نفيسة فى بداية ونهاية فتنتهى حياتها بالانتحار نتيجة خوفها من معاناة أخيها الضابط من العار الذى قد تسببه له سيرتها على الرغم من كفاحها الكبير للوفاء بمتطلبات أسرتها، وفى هذا السياق يعكس نجيب محفوظ أن المصائب التي يتعرض لها الناس تكون غالبا إما مدفوعة برجل أو نتيجة الخوف الذى ربته العادات والتقاليد الاجتماعية المجحفة.