"الإخوان خسروا نقابة الأطباء لأول مرة منذ 28 عاماً.. إخوان مصر فقدوا قلعة ومنبعا"، كانت تلك عناوين صحفية فى ديسمبر 2013، بعد خسارة فادحة وفقدان الجماعة الإرهابية هيمنتها على "دار الحكمة" مقر نقابة الأطباء، بعد أن آلت الأغلبية بمجلس النقابة العامة إلى "تيار الاستقلال"، واستحواذه على 15 معقداً، فى انتخابات للتجديد النصفى، من إجمالى 24 معقدا بمجلس النقابة، بخلاف مقعد النقيب فى ذلك الوقت وهو الدكتور خيرى عبدالدايم، جاء ذلك تماشيا مع الأجواء السياسية التى شهدتها مصر حينها، حيث ثورة 30 يونيو 2013 التى أخرجت مصر من نفق تلك الجماعة.
تاريخ طويل من هيمنة "التيار الواحد" مرت به نقابة الأطباء، فعقب مرور 36 عاما على تأسيس النقابة وتحديدا فى عام 1985 تحولت تلك المؤسسة المهنية لغطاء سياسى لتنظيم إرهابى، وأداة لخدمات واستثمارات ومعارض وإغاثة دولية، فى توجهات لا تمثل الهدف من النقابة، ولكنها تدعم استثمارات تجارية فى سوق الطب لكبار قادة الإخوان، اعتمادا على قروض من مصارف إسلامية، ونجح هذا التيار الإرهابى حينها فى الانخراط فى أنشطة لا تمت بصلة للدور الحقيقى للعمل النقابى المهنى، الذى كان له عامل مؤثرا للغاية لإسقاطهم وخلاص النقابة منهم فى نهاية 2013، وامتد ذلك الخلاص ليشمل نقابات المهندسين والمحامين.
وبدأ توغل الجماعة فى النقابة قبل نحو 4 عقود، سيطرت عليها بالكامل، حتى أصبح مقر القصر العينى أحد قلاع الإخوان، إلا أنه فى 2007 ومع بداية ظهور تيار "أطباء بلا حقوق" و"ائتلاف الأطباء"، كانت هناك مساعى لتغيير أوضاع الأطباء وتصحيح مسار النقابة، وشهد عام 2011 فى أعقاب ثورة يناير أول خطوات حقيقية من التيارين الناشئين ضد الجماعة فى جمعية عمومية تاريخية فى 25 مارس 2011 حيث تم طرد عصام العريان أحد قيادات الجماعة الذى كان يشغل منصب أمين الصندوق، وتم اتخاذ قرارات للدعوة لإجراء انتخابات فى أكتوبر 2011، ذلك الأمر الذى حاولت الجماعة التغطية عليه وإعادة سيطرتها فى جمعية عمومية غير عادية فى يوم الجمعة 11 يونيو 2011، حشدت الجماعة لها مؤيديها، ونادى "حلمى الجزار القيادى بالجماعة والذى كان يشغل منصب نقيب أطباء الجيزة"، فى الحضور وقت صلاة الجمعة قائلا: لا تتخلوا عن أماكنكم.. فأنتم اليوم فى نزال"، حتى لا يتركوا الفرصة لأطباء من خارج تيارهم الإرهابى فى الدخول إلى قاعة النقابة.
لم تسر نتائج الانتخابات فى أكتوبر 2011، وفق أحلام الأطباء لتخليص النقابة من قبضة الجماعة، حيث ساهم انشقاق بين أعضاء تيار أطباء بلا حقوق، و"ائتلاف الأطباء" إلى استمرار سيطرة الجماعة الإرهابية على مقاعد الأغلبية بالنقابة العامة للأطباء، ولم يحصل التيارات المدنية إلا على مقعدين فقط، حتى جاءت انتخابات التجديد النصفى فى أكتوبر 2013، والتى شهدت إنعاكسا واضحا لما مرت به مصر فى ثورة 30 يونيو 2013، والتى أسقطت الجماعة الإرهابية، لتحقق تلك الانتخابات 15 مقعد لتيار الاستقلال، مقابل 9 مقاعد فقط لأعضاء الإرهابية ليُعد ذلك إعلانا بإنهاء سيطرة جماعة الإخوان على النقابة.
يقول الدكتور علاء غنام الخبير فى قطاع الصحة، عضو الجمعية العمومية لنقابة الأطباء،: وعندما ننظر إلى ما حدث فى انتخابات التجديد النصفى لنقابة الأطباء، التى انتهت فيها المواجهة الثانية بين ما يسمى بتيار الاستقلال، وما يسمى بتيار أطباء مصر، المنتمى إلى جماعة الإخوان وحلفائها. وقد تفوقت قائمة تيار الاستقلال فيما يشبه الاكتساح، وبخاصة فى النقابة العامة وعدد كبير من النقابات الفرعية، وبذلك خرجت نقابة الأطباء من أَسْر وسيطرة جماعة الإخوان الممتدة منذ عام 1982، حيث منحت ثورة 25 يناير 2011 الفرصة لهذا التيار الجديد للنمو، والحصول على هذه الأغلبية للمرة الأولى، بما يعنى حصوله على منصب الأمين العام للنقابة، ووكيل وأمين صندوق النقابة، ومقررى اللجان الفرعية بما فيها لجنة الإغاثة، صاحبة التاريخ المريب مع الجماعة الإرهابية.
وأضاف غنام، لـ"اليوم السابع": التصويت على الأرجح لصالح تيار الاستقلال جاء لأسباب سياسية تتماشى مع رغبة مصر فى التخلص من الجماعة، ولا علاقة لانتخابهم بالأسباب المهنية الأجدر بالاتباع فى المؤسسات النقابية المهنية، وكان لدى الأطباء حينها حلم بعودة الدور الحقيقى للنقابة، بعد مرور ثلاثة عصور عليها، تزايدت فيها الأعداد وغابت فيها المقاصد والأهداف، إلا أنهم لم يجدونها أيضا مع الاستقلال.
وفى انتخابات 2015، فاز تيار الاستقلال "تيار أطباء بلا حقوق سابقا" بأغلبية كاسحة فى النقابة العامة للأطباء، وفى النقابات الفرعية بالمحافظات، إلا أن الأغلبية لم تدم كثيرا، فسرعان ما شعر أعضاء بتيار الاستقلال بأنهم لم يقدموا جديدا للأطباء، وبدأ تيار الأغلبية يشهد انشقاقات محدودة منذ هذا العام بين أعضائه، وظل الانشقاق يزداد خلال عامين حتى انتخابات عام 2017، وإعلان عددا من أعضائه تخليهم عن عضويتهم بالتيار، وشهد هذا العام بدء مشكلات بين عددا من النقابات الفرعية والنقابة العامة فى أمور مالية، حتى انعكست تلك الانشقاقات على نتائج انتخابات 2019 والتى شهدت إنخفاض مؤيدى تيار الأغلبية "الاستقلال" وحصوله على 8 مقاعد فقط، و4 مقاعد لقائمة "المستقبل".
وفى نهاية يونيو 2021، فوجئ الأطباء المهتمون بالشأن النقابى بإعلان قائمة الاستقلال عن امتناعها عن الترشح لانتخابات التجديد النصفى لنقابة الأطباء المقرر عقدها فى أكتوبر 2021، سواء على مقاعد النقابة العامة أو النقابات الفرعية، وأرجعت ذلك لعدة أسباب، مؤكدة على استمرار دفاعها عن مطالب الأطباء، الذى عملت لسنوات داخل النقابة كأعضاء منتخبين أو من خارجها، لتُصبح المنافسة فى الانتخابات بين 3 قوائم رئيسية أعلنت برامجها حتى الآن، هم: المستقبل، الأمل، والمستقلين، لتُصبح أول انتخابات منذ 40 عام تشهد إختفاء قائمة الأغلبية الكاسحة، ووجود منافسة بين قوائم تعتمد على نسبة من شباب الأطباء وخبراء مهنة الطب وقدامى النقابيين.
وتعليقا على ذلك، قال الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، أحد مؤسسى قائمة الأمل: إن النقابة شهدت فترة تجميد لأعمالها خلال فترة امتدت من 1992 وحتى 2011، أثرت بالسلب على العمل النقابى لعدم إجراء انتخابات، وعدم وجود دماء جديدة فى النقابة، مما أدى إلى ترهل العمل النقابى وسيطرة فصيل واحد ، حتى شهدت النقابة انتخابات التجديد النصفى خلال عامى 2011، و2013 ودخول دماء جديدة للنقابة أفرزت تغييرات كبيرة وتحالفات وانشقاقات متعددة، بدأت بعودة التيار الواحد "الاستقلال"، ثم انشقاقات بين صفوفه، كل ذلك أدى إلى ضعف الأداء النقابى خاصة فى الملفات الحقوقية.
وأوضح الزيات فى تصريحات لليوم السابع: أن المجلس عقب الانتخابات المقبلة سيواجه عدة تحديات أهمها التعاون مع كافة تيارات واتجاهات أعضاء المجلس، وإرساء قواعد العمل الجماعى لصالح الأطباء، وليس التناحر بين التيارات، والعمل على إنجاز العديد من الملفات خلال العامين المقبلين، مثل: قانون المسؤولية الطبية، ومجلس الصحة المصرى، وقانون تغليظ عقوبة الاعتداء على المستشفيات.
فى سياق مُتصل، قال الدكتور أبو بكر القاضى أمين صندوق النقابة العامة للأطباء، إنه منذ سيطرة الجماعة الإرهابية على النقابة لم تتخلص من سيطرة التيار الواحد والفكر الأوحد، حتى عام 2013 وبدء ظهور التيارات المدنية، من بينها تيار الاستقلال والذى للأسف أصبح بنفس الفكر، مضيفا: الفكر الواحد لا يسهم فى النجاح، والانتخابات المقبلة ستواجه تحديات وقوائم لكنها دون سيطرة تيار واحد، حيث تم تشكيل القوائم تضم أعضاء بأفكار واتجاهات مختلفة لتسهيل الانتخابات.
وأضاف القاضى، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"،: النقابة فى الأساس مؤسسة مهنية للدفاع عن مصالح أعضائها، باختيار الأسلوب الأمثل للتفاوض مع الجهات المختلفة للوصول إلى مكاسب، وليست حزب معارضة، وهو عكس ما انتهجته التيارات السابقة خلال توليها زمام النقابة.
فيما أكد أعضاء قائمة "المستقلين"، أنه فى ظل انقسامات وانشقاقات متتالية عبر سنوات أخرجت نقابة الأطباء من عباءة الإخوان إلى عباءة "أطباء بلا حقوق"، وإحداثها لتصادمات تصادمية مستمرة بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة يرفضه أعضاء الجمعية العمومية، مؤكدة رفضها لتسييس النقابة، وقررت المنافسة بالانتخابات بأصوات لا تمثل سوى صوت الأطباء المستقلين، والذين يمثلون غالبية أطباء مصر.