فى إنجاز جديد للدولة المصرية فى حماية التراث المصرى، نجحت وزارة الثقافة بالتعاون مع منظمة اليونسكو فى ترميمات المرحلة الأولى لتطوير مبانى قرية المهندس حسن فتحى التاريخية بمدينة القرنة غرب محافظة الأقصر، حيث إنتهت أعمال تطوير المسجد والخان والمسرح فى القرية، حيث تابعت الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، خلال زيارتها لمحافظة الأقصر مشروع إحياء وترميم المبانى التراثية بقرية القرنة وهى المسرح، الخان، والمسجد.
واستمعت الوزيرة خلال زيارته للأقصر، إلى تفاصيل عن المشروع من المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى وممثلى وفد اليونيسكو بمكتب القاهرة الدكتور بشر إمام، سما مصطفى، م. زياد عامر، المهندس عماد فريد مدير المشروع بالشركة المنفذة فى حضور محمد عبد القادر خيرى نائب محافظ الأقصر، وعلاء عبد الجابر رئيس مدينة القرنة، وقيادات وزارة الثقافة الفنان هشام عطوة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والدكتور فتحى عبد الوهاب رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، والفنان أحمد الشافعى رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بهيئة قصور الثقافة.
وفى هذا الصدد قالت وزيرة الثقافة أن مشروع احياء وترميم المنشآت ذات الطابع المعمارى المتميز بالقرنة يعد انجازا جديدا للثقافة المصرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى خاصة وان حلم رائد فن العمارة حسن فتحى يتحقق بعد اكثر من 70 عام، واضافت أن المشروع يعد تجربة رائدة للحفاظ على ارث ثقافى ومعمارى هام، مشيرة انه نموذجا مميزا للعمارة البيئية التى تستخدم الخامات المحلية لضمان بقائها وإدارتها بشكل جيد، واكدت تبنى فكر الحفاظ على التراث المعمارى والعمرانى الغير اثرى من خلال إعداد القوانين والتشريعات المنظمة لذلك مع اعادة تقييم الموجود منها لتتناسب مع المعايير التى تحددها الاتفاقيات الدولية المشاركة فيها مصر، وتابعت أن فنون العمارة مرآة الشعوب وصون التراث الانسانى المادى بكافة اشكاله احد اشكال ترسيخ الهوية، ووجهت بسرعة الانتهاء من عملية الترميم وفق الخطة الزمنية الموضوعة تمهيدا لافتتاح المرحلة الاولى من المشروع نهاية العام الجارى والتى تضم منطقة الخان والمسرح والمسجد والاستعداد لإقامة مهرجان التحطيب فى موطنه الاصلى بالقرية وتفعيل كافة الانشطة الثقافية من خلال المسرح وملتقيات التصوير ومراسم الفنانين التشكيلين، واوضحت اهمية سرعة البدء فى تنفيذ المرحلة الثانية لانهاء المشروع بالكامل بنفس معايير الجودة لتكون واجهة لتنمية السياحة الثقافية والبيئية وتتحول القرية إلى مزار ثقافى وسياحى عالمى، كما اشادت بما تم تنفيذه من اعمال الترميم وبدور ودعم اليونيسكو للحفاظ على الطراز المعمارى والبيئى المصرى لرائد فن العمارة المهندس حسن فتحى مما يؤكد حرص مصر للحفاظ على تراثها المعمارى الفريد.
وأكد المهندس محمد أبوسعدة رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى أن عملية الترميم فى المرحلة الأولى استغرقت ما يقرب من 24 شهرا وفق معايير دقيقة للوصول إلى الشكل الحالى بعد تأثر وانهيار المبانى الذى دام لسنوات طويلة وأضاف أن جهاز التنسيق الحضارى بالتعاون مع محافظة الأقصر وضع رؤية بصرية لتطوير المنطقة المحيطة للتناسب مع القيمة المعمارية للقرية.
فيما قالت المهندسة دعاء الصادق المشرفة على أعمال الترميم بالقرية، أنه تعود القرية التراثية للفنان والمهندس العظيم صاحب الشهرة العالمية بمصر ومختلف أنحاء العالم، حيث تم مؤخراً ترميم أجزاء القرية بتكليف من منظمة اليونيسكو العالمية التى تتكفل بالترميم والتطوير للقرية للحفاظ على تاريخها العالمى بجنوب الصعيد بتكلفة تصل إلى 750 ألف دولار، حيث يتم العمل من شركة نوعية البيئة الدولية للاستشارات والتصميمات الهندسية (EQI) للدكتور منير نعمة الله، والمالك هو هيئة التنسيق الحضارى.
وأضافت المهندسة دعاء الصادق لـ"اليوم السابع"، أنه تم إنهاء عمليات التطوير والترميم الشاملة التى حصلت عليها مبنى "المسجد" وجارى استكمال العمل فى مبنى "الخان" ومبنى "المسرح" داخل قرية المهندس حسن فتحى التاريخية، والخان هو السوق التراثى القديم الذى تم تصميمه بشكل جمالى مبهر بأيدى المهندس الفنان حسن فتحى، وتم تطويره وترميم من جديد بعد تعرضه للدمار خلال السنوات الماضية، موضحةً أنه تم العمل فى إحياء مبنى الخان بالقرية بإزالة الزراعات والرديم غرب المبنى ومعالجة تأثيرها السلبى على المبنى، ووالعمل على خفض مستوى الشارع حول المبنى لإعادة المنسوب الأصلى للموقع، وإنشاء نظام صرف محيط بالمبنى لمنع وصول تجمعات المياة للمبنى، والكشف عن اساسات المبنى ومعالجتها وتدعيمها بالخرسانة، ومعالجة القباب والقبوات وتدعيمها إنشائياً واستعادة التصميم الأصلى للناحية الجنوبية، والعمل على التشطبيات الداخلية والخارجية والعمل على التجهيزات الفنية، وذلك من شبكات صرف وتغذية وكهرباء وإنارة بالإضافة لخدمات المحمول والإنترنت، وإزالة الإشغالات واستعادة الأجزاء المتعدى عليها غرب المبنى وإعادة فتح الممر الجنوبى.
وأكدت المهندسة المشرفة على عمليات الترميم والتطوير فى المرحلة الأولى بالقرية، أن المشروع حلم كبير يجرى لإعادة تاريخ المهندس العظيم حسن فتحى والحفاظ على الطابع الأساسى للقرية، حيث أن القرية عانت على مدى 70 سنة من عوامل تدهور كثيرة وحدثت بعض التعديات على القرية وعمليات هدم وإعادة بناء إضافة إلى تهدم بعض المبانى والمنشآت.
يذكر أن مشروع احياء وترميم المبانى التراثية بقرية القرنة سعت وزارة الثقافة إلى تنفيذه من خلال الجهاز القومى للتنسيق الحضارى للحفاظ على أحد أهم مشاريع المعمارى الرائد حسن فتحى ليس على مستوى ما يلقاه من شهرة واهمية على المستوى الوطنى والعالمى بل ايضا لما يمثله مشروع القرية الذى تم تنفيذه 1948 من محاولة إلى ايجاد وصياغة مفردات العمارة المحلية فى صورة هندسية ومعمارية تصبح قابلة للتطبيق والانتشار، ولما يمثله فكر المشروع من الاعتماد على الخامة والايدى العاملة المحلية فى اطار اقتصادى وفنى ومهنى وأصبح نموذجا يحتذى به على مستوى العالم، وتتوافق اهداف المشروع مع المعايير القومية والدولية نظرا لما يتميز به اسلوب البناء الذى راعى طبيعة الخامات المحلية والظروف المناخية فى الوجه القبلى.
ويشمل ترميم المركز الثقافى وهو ما يمثل عودة لممارسة انشطة ثقافية وفنية تخدم قطاع عريض على مستوى جنوب مصر ومحافظة الأقصر ويعد اعادة توظيف الخان واستثماره كاستديوهات للفنانين واعادة فتح البازرات وكذلك الخدمات التى تحتاجها القرية أحد أهم التجارب فى اعادة التوظيف والارتقاء بالمبانى واعتبار مركز القرية بما يضم من الجامع والخان والمركز الثقافى احد نقاط الجذب السياحى والثقافى فى أهم المناطق المسجلة على التراث العالمى، كما لعبت وزارة الثقافة دورا هاما فى التعاون مع الجهات الحكومية ممثلة فى محافظة الأقصر ووزارة السياحة والآثار وكذلك الجهات الدولية ممثلة فى منظمة اليونسكو فى لفت الانظار إلى اهمية المشروع هذا إلى جانب دورها فى تسجيل المبانى المتبقية من تصميم القرية الأصلية ضمن سجلات الحفاظ على المبانى ذات القيمة المتميزة، ويجرى حاليا جهود لتسجيل المنطقة التراثية بالقرية ضمن المناطق ذات القيمة المتميزة كما تقوم وزارة الثقافة باعداد مشروع تشغيل المبانى لتكون منطقة القرنة مركزا النشاط الثقافى بالبر الغربى باستكمال الارتقاء بالفراغ العمرانى المحيط بالقرية وترميم باقى مبانيها.
وجدير بالذكر أنه ولد المهندس المعمارى (حسن فتحى) فى 23 مارس عام 1900، بمحافظة الإسكندرية، لأسرة مصرية ثرية، وانتقل فى الثامنة من عمره مع أسرته للإقامة بحلوان جنوب القاهرة، وعاش طول حياته فى منزل بدرب اللبانة بحى القلعة بمدينة القاهرة، وتأثر المهندس حسن فتحى بالريف وبحالة الفلاحين أثناء زيارته له وهو فى سن الثامنة عشر، وكان يود أن يكون مهندس زراعى، لكنه لم يستطع الإجابة فى امتحان القبول، فحصل على دبلوم العمارة من المهندس خانة - كلية الهندسة حالياً - بجامعة الملك فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليا - فى عام 1926، وعمل بعد تخرجه مهندسًا بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية (المجالس المحلية حالياً)، وكان أول أعماله مدرسة طلخا الابتدائية بريف مصر ومنها أتى اهتمامه بالعمارة الريفية أو كما كان يسميها عمارة الفقرا، ثم كُلّف بتصميم دار للمسنين بمحافظة المنيا بجنوب مصر، وأمره رئيسه بأن يكون التصميم كلاسيكيًا، فلم يقبل فتحى تدخله واستقال من العمل فى عام 1930.
وبدأ المهندس حسن فتحى العمل فى بناء تلك القرية التاريخية عام 1946م، وكانت لقرية القرنة شهرة عالمية بسبب كتاب عمارة الفقراء، الذى يسرد فيه قصة بنائها، وأنشئت القرية لاستيعاب المهجرين من مناطق المقابر الفرعونية بالبر الغربى لإنقاذها من السرقات والتعديات عليها، وخصوصًا بعد أن اكتشف المختصون وعلماء الآثار سرقة نقش صخرى بالكامل من أحد القبور الملكية، فصدر قرار بتهجيرهم من المقابر، وإقامة مساكن بديلة لهم، وخصّصت الدولة ميزانية قدرها مليون جنيه لبناء القرية الجديدة، وتم اختيار الموقع ليكون بعيدًا عن المناطق الأثرية وقريبًا من السكك الحديدية والأراضى الزراعية، وبدأ حسن فتحى المرحلة الأولى من مشروع بناء القرية ببناء 70 منزلًا، بحيث يكون لكل منزل صفة مميزة عن الآخرين حتى لا يختلط الأمر على السكان، وأعتمد فى تصميم المنازل على الخامات والمواد المحلية، وظهر تأثّره بالعمارة الإسلامية، وكانت للقباب تصميمها الفريد والتى استخدمت بدلا من الأسقف التى تعتمد على الألواح الخشبية أو الأسياخ الحديدية المعتادة، وتم تخصيص باب إضافى فى المنازل للماشية، التى يقتنيها سكان المنطقة، كنوع من أنواع العزل الصحى، حفاظًا على سلامة الأفراد، وشيدت ثلاث مدارس بالقرية الأولى للأولاد والثانية للبنات، أما الثالثة فكانت مدرسة لتعليم الحرف اليدوية التى اشتهرت بها منطقة القرنة، مثل الألباستر والغزل والنسيج وصناعة منتجات النخيل، كما حاول من خلال هذه المدرسة الحفاظ على روح الإبداع الفرعونية فى الأجيال الجديدة، ومثلما اهتم فتحى بالجانب التعليمى لم يغفل الجانب الدينى الذى يميز أهل القرية، أو الجانب الترفيهى لتعويضهم عن منازلهم التى تم تهجيرهم منها عنوة، حيث عمل فتحى على إنشاء مسجد كبير فى مدخل القرية حمل أجمل النقوش المعمارية فى تصميمه، حيث تأثر فيه بالفن المعمارى الطولونى ممتزجا مع الفن الإسلامى فى العهد الفاطمى، وفيما يخص الجانب الترفيهى قام فتحى بإنشاء قصر ثقافة حمل اسمه، ومسرح مبنى على الطراز الرومانى، إلى جانب حمام سباحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة