يعلم القاصى والدانى أن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تلك الاستراتيجية التى جاءت فى جوهرها لتستند إلى مبادئ أساسية نابعة من فلسفة مصرية ذاتية، وتؤمن بأهمية تحقيق التكامل فى عملية الارتقاء بالمجتمع، مع أهمية خلق التوازن بين الحقوق والواجبات، حسبما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال فى كلمته التى أكد فيها على إن الرؤية المصرية لحقوق الإنسان تستند على عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها: أن كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات.. كما أن الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها، يتحقق من خلال التشريعات، والسياسات العام، وكذلك ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية من إنفاذ لتلك التشريعات والسياسات.
فعلى صعيد التشريعات والسياسات العامة؛ قال السيسي: تستند جهود الدولة إلى المبادئ والالتزامات الدستورية والقانونية. ولقد حقق الدستور نقلة نوعية كبيرة فى هذا الخصوص، إذ رسخ مبادئ المواطنة، والعدالة، والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز، وجعل تكافؤ الفرص أساسا لبناء المجتمع.. كما يكفل الدستور استقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية التى تضمن الإنفاذ الفعلى لكافة الحقوق، كما تؤكد الدولة المصرية التزامها باحترام وحماية الحق فى السلامة الجسدية، والحرية الشخصية، والممارسة السياسية، وحرية التعبير، والحق فى التجمع السلمى، وتكوين الجمعيات الأهلية، والحق فى التقاضى؛ فمصر ترحب دوما بتعدد الآراء بل واختلافها ما دامت تراعى حريات الآخرين وتهدف من خلال نقد بناء وتشاركى إلى تحقيق ما هو أفضل لصالح مصر وشعبها.. ولطالما تبنت مصر، وما تزال، حرية الفكر والإبداع والتعبير.. مما أثمر عن مساهمة مصرية رائدة فى محيطها الإقليمى فنا وأدبا وثقافة.
والذى أفهمه هنا من كلام الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مصر تتقدم بخطى واثقة نحو بناء مستقبل يليق بمكانتها بين الأمم وبطموحات شعبها الذى قام بثورتين فى عامى 2011 و2013 مطالبا بالإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعي، وبإعلاء قيم الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية والاجتماعية، وتحقيق الاستقرار والتقدم والتنمية المستدامة، وهذا لايتأتى إلا بتعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان؛ فقد أصبح من المحتم، بل من الواجب الوطنى والمسئولية أمام التاريخ، مواصلة العمل الجاد بإعمال كافة الحقوق المدنية، والسياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، على نحو يكفل المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.
ولهذا فإن مصر تسعى بجدية فى الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان وذلك بوجود الإرادة القوية فى تحقيق ذلك، ومما يساعد على المضى قدما فى هذا الاتجاه هو الالتزام باحترام الدستور الذى يحقق نقلة نوعية كبيرة فى مجال كفالة الحقوق والحريات الساسية، ويؤكد على مبادئ المواطنة وسيادة القانون فى إطار من المساواة وعدم التمييز، هذا فضلا عن تبنى الدولة لرؤية تنموية متكاملة تعكسها وثيقة (استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030)، وهذه الرؤية ترتكز على إعمال الحقوق السياسية للمواطن باعتبارها محور التنمية.
لقد حققت مصر خال السنوات الماضية إنجازات وطنية هامة فى مجال حقوق الإنسان على المستويات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية، بيد أنه من المؤكد أن حماية حقوق الإنسان هى عملية مستمرة وتراكمية الأثر، ولا تظهر نتائجها إلا بشكل متدرج، ومهما بذل من جهد أو تحقق من إنجاز فى هذا المجال فإنه يبقى قاصر عن بلوغ الكمال، وتظل هناك تحديات تتعلق بتمتع الجميع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، وهو الأمر الذى يستلزم بذل المزيد من الجهد للتغلب على التحديات المتراكمة، والتصدى لأوجه النقص القائمة، ومن هنا تأتى أهمية هذه الوثيقة التى تعد أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان فى مصر.
وبالتأكيد فإن هذا الكلام يعكس مفهوم (مصر الجديدة) الذى يرسخ فى ذهن رأس الدولة المصرية، حيث تشير الدلائل إلى أن ملامح الجمهورية الجديدة فى مصر تتشكل يوما بعد يوم مع توجه الرئيس عبد الفتاح السيسى لإجراء تغييرات حاسمة وملموسة فى ملفات حيوية من بينها ملف حقوق الإنسان المرتبط بشكل رئيسى بنتائج تنفيذ استراتيجية بناء الإنسان المصري، وليست تلك الاستراتيجية وليدة اللحظة الحالية بل إنها بدأت عقب توليه السلطة قبل سبع سنوات، والتى اعتمدت على مركزية الإنسان فى تطبيق سياسات الدولة، والنظر إلى حقوق الانسان وفقا لمنظور شمولى يحقق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفى المقام الأول بالحقوق الملحة للمواطن المصري.
ويبدو واضحا أن من ملامح تلك الجمهورية الجديدة بناء مفهوم جديد للعلاقة بين المواطن والدولة قائم على المواطنة وحقوقها وبناء الإنسان على أسس جديدة تدعم انتماءه وولاءه فى دولة تحترم حقوق كل مواطنيها بدون تمييز، وفى هذا الصدد فإن مصر تخلصت من كثير من المظاهر السلبية التى ترصدها المنظمات الحقوقية الدولية، فلم يعد هناك أى حالات اعتقال أو احتجاز خارج إطار القانون أو تعذيب فى السجون أو اختفاء قسري، كما ظهر بشكل قوى التعامل القانونى المباشر مع ظهور تلك الحالات فور الإبلاغ عنها، وفتحت النيابة العامة تحقيقات فورية وقدمت عناصر أمنية متورطة إلى المحاكمة.
وتأسست تلك التطورات على تعديلات فى المنظومة التشريعية فيما يخص أوضاع حقوق الإنسان حيث نصت (المادتان 54 و55) من الدستور على عدم المساس بالحرية الشخصية وعدم جواز تقييد حرية أى شخص إلا بأمر قضائى مسبب، عدا حالات التلبس، مع كفالة جميع ضمانات احترام حقوق الإنسان، كما تنص المواد ( 55 و95 و96 و97 و186 و189 ) من الدستور على اختصاص القضاء بالفصل فى كل المنازعات والجرائم، وأن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء تتولى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، يتمتع أعضاؤها بالاستقلال والحيادية فى مباشرة إجراءات التحقيق والإحالة.
ونصت تلك المواد أيضا على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، وأن مبدأ افتراض البراءة حتى تثبت إدانة المتهم فى محاكمة قانونية تُكفل له فيها ضمانات الدفاع، وأن تصدر الأحكام عن محاكم مختصة وتكون جلساتها علنية، وربما أشار الرئيس إلى هذا الملمح بشكل غير مباشر فى مداخلته مع يوسف الحسينى فى برنامج التاسعة أول أمس الأربعاء مؤكدا بأن مصر تسعى إلى تحقيق أقصى معدلات حقوق الإنسان قائلة بالحرف الواحد (لن نحاسب المذنب مرتين)، كما أنه أشار إلى أن الدولة المصرية تسعى ابناء مؤسسات تأهيلية تكفل للمساجين حياة كريمة فى ظل أجواء إنسانية من خلال (سيستم) تم استيراده من الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيقه فى مصر.
ويبقى أبرز ما سعت مصر لتحقيقه فى ملف حقوق الإنسان هو توفير مناخ ملائم يتمتع فيه قضاة المحاكم باستقلالية وحصانة القضاء العادي، ويحظى المتهمون بجميع الضمانات المكفولة لهم أمام القضاء العادى من حق الدفاع، والاطلاع على الأوراق، وعلنية الجلسات والحق فى الطعن على الحكم الصادر أمام محكمة أعلى بما يضمن التقاضى على درجتين، بجانب سريان قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على الطعون أمام القضاء العسكري، ووفق تلك التطورات نستطيع القول إن مصر تمتلك حاليا بنية تحتية تحترم حقوق الإنسان.
وبالرغم من ضراوة الحرب على الارهاب وتعقيداتها لم يتخل المشرع المصرى عن واجبة بحماية الحقوق الفردية من التعسف، متمسكا بنص (المادتين 54 و55 ) من الدستور على عدم المساس بالحرية الشخصية وعدم جواز تقييد حرية أى شخص إلا بأمر قضائى مسبب، عدا حالات التلبس، مع كفالة جميع ضمانات احترام حقوق الإنسان لمن يتهم بتقيد حريته، كما تم القضاء على مفهوم المعتقل السياسي، والذى خرج من النظام القانونى المصرى عقب صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تخويل رئيس الجمهورية الترخيص بالقبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
ولعلنا قد لاحظنا مؤخرا أنه قد انتهى الجدل حول مسألة بناء الكنائس بصدور قانون ينظم بناءها بشكل صريح وواضح لأول مرة فى التاريخ، فصدر القانون رقم 80 لسنة 2016 وأصبحت هناك قواعد محددة لبناء الكنائس رحبت بها الكنيسة المصرية الأرثوذكسية وكل الطوائف المسيحية. وعلى إثر القانون تمت الموافقة حتى نوفمبر 2020 على توفيق أوضاع نحو 1738 كنيسة ومبنى تابعًا تتبع الكنيسة الأرثوذكسية والطائفة الإنجيلية، وتم اختيار العديد من الشخصيات القبطية لشغل المناصب القيادية، وكان آخرها انتخاب النائبة (فيبى فوزى جرجس) لوكالة مجلس الشيوخ لتصبح أول سيدة تتولى ذلك المنصب بعد إعادة تشكيل المجلس فى ضوء التعديلات الدستورية الأخيرة، وفوز عدد من الأقباط على القائمة الوطنية فى انتخابات مجلس النواب، فضلا عن تولى شخصيات قبطية لمنصب المحافظ بل أكثر من محافظة، وتولى عدد منهم مناصب قيادية أخرى فى الدولة.
ولأول مرة فى تاريخ مصر، قضت المحكمة الدستورية العليا بالسماح للموظفين المسيحيين بإجازة شهر لزيارة بيت المقدس فى القدس وبراتب كامل أسوة بالقرار المتبع مع الموظفين المسلمين أثناء تأديتهم فريضة الحج، إلا أنه من الناحية العملية يصعب تطبيقه التزاما بقرار سابق اتخذته الكنيسة فى عهد (البابا شنودة الثالث) يقضى بحظر سفر الأقباط إلى القدس إلا بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، دون ذلك يمكن لأصحاب الطوائف المسيحية الأخرى مثل الكاثوليك الاستفادة من الحكم والسفر للقدس فى إجازة مدفوعة ولمدة شهر كامل ولمرة واحدة.
وهنالك تقدم فى أكثر من مجال يتعلق بتطور ملف حقوق الإنسان فى مصر ومنها أنه تعمل فى مصر حاليا 55 ألف جمعية وفق أحكام القانون، وتشارك فى كثير من المبادرات الاجتماعية والتنموية، وغالبيتها ذات نشاط خيرى، وقد كانت هناك اعتراضات كثيرة على قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنه 2017، واستجاب الرئيس عبد الفتاح السيسى لمطالبة جاءت من إحدى ممثلات المجتمع المدنى المشاركات فى منتدى شباب العالم بتعديل القانون وهو ما تم بالفعل مع صدور قانون تنظيم العمل الأهلى 149 لسنة 2019 الذى فتح المجال بشكل اكبر لاستيعاب كل طاقات العمل الأهلي، والرغبة فى العمل التطوعى الموجودة فى المجتمع المصرى أو الموجودة خارج الحدود، وأعطى المؤسسات الاهلية القدرة على المشاركة فى صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى والتى تتمثل فى وضع الأجندة وتحديد الأولويات مرورا بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيرا المتابعة والتقييم.
وظنى فى النهاية أن هذه التطورات تعكس فلسفة جديدة لتعامل الدولة المصرية مع منظومة حقوق الإنسان وتوافر الإرادة السياسية لتحسينها لصالح المواطن المصرى وليس استجابة لضغوط خارجية مبنية على فهم خاطئ لمسألة عالمية حقوق الإنسان أو أن حقوق الإنسان أداة سياسية للضغط على الدول وهو ما تواجهه مصر بشكل متكرر، كما تدحض هذه التطورات على أرض الواقع كل محاولات التشويه المتعمد والمنهجى الذى تنتهجه كثير من المنظمات الدولية (المسيسة) أو (التابعة للتنظيم الدولة لجماعة الإخوان الإرهابية) عبر نشر تقارير مغلوطة ومعلومات غير دقيقة تحاول استخدام حقوق الإنسان كسلاح لتشويه الدولة عالميا مستندة على ظواهر سابقة اختفت من الواقع المصرى الجديد فى ظل مصر الجديدة التى أرادها الرئيس السيسي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة