ودعت مصر والأمة العربية فجر اليوم الثلاثاء أحد قادتها الأبطال والأفذاذ في حرب التحرير والشرف واسترداد الأرض في أكتوبر ٧٣، وفى معركة السياسة من أجل حماية مصر من مؤامرة التقسيم والتفتيت بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١
سيبقي ما قام به الراحل العظيم باقي في ضمير الوطن وذاكرة شعبه وسوف يسجل التاريخ وطنية هذا الرجل المفرطة في عشق مصر سواء في حرب المجد والكرامة ضد العدو الصهيوني او في معركة إنقاذ الوطن من العدو الإخواني.
كان دائما ما يبدو هادئا رصينا حكيما يحمل من خبرات مدرسة الوطنية المصرية في القوات المسلحة الباسلة الكثير من الرؤية العميقة والفكر الاستراتيجي الذي أهله ان يتحمل مسئولية وقيادة وطن في أحلك وأصعب الظروف السياسية و الأمنية والاقتصادية وتتكالب عليه المخاطر والتحديات من كل صوب. فكان اهلا لها بكفاءة واقتدار… وقد أنصفه شعبه بعد أن فضح أمامهم وأمام العالم مؤامرة والاعيب جماعة الاخوان الإرهابية لحرق مصر والانتهازية السياسية لها ولاعوانها في محاولة الاستيلاء على السلطة.
لم يكن يتحدث كثيرا ولكنه كان قائدا عسكريا وسياسيا استثنائيا.. قارئا جيدا وواعيا بحركة التاريخ في مصر ومؤمنا بعظمة شعبها وصبره وصموده.. وجبروته على الأعداء أيضا.. أحاديث القليلة كانت تنم عن رجل يحمل فكرا استراتيجيا عميقا ورؤية مستقبلية واضحة.. وبالفعل وعقب أحداث ٢٥ يناير توافق الفكر مع الاستراتيجية
ففي إحدى اللقاءات المذاعة مع جنود وضباط القوات المسلحة قبيل أحداث ٢٥ يناير، قال المشير طنطاوي طنطاوي، وكأنه يستشرف ما سيحدث، :"إنه لا يهتم كثيرا بأعداء الخارج لأنهم معروفون جيدا ولكن المصيبة في عملاء الداخل لأن هؤلاء الأشد خطرا علي مصر"
وفي كتابه "لغز المشير" يقول الكاتب الصحفي الكبير والبرلماني المعروف َالاستاذ مصطفى بكري:ان المشير محمد حسين طنطاوى ليس لغزا واحدا بل عدة الغاز حيرت عدو الخارج وعدو الداخل، ولعل لغز المشير طنطاوي يكمن في أنه ليس فقط قام بتحمل مسئولية البلاد لقيادتها وسط الأخطار والوصول بها إلي بر الأمان، منذ ما بعد عصر يوم 28 يناير 2011 فعليا ورسميا يعد غروب شمس يوم 11 فبراير من العام نفسه، بل في هذه القدرة الجبارة علي تحمل ما تنوء بحمله الجبال، كما وصفه الرئيس السيسي، ".والتحمل جاء في مواجهة مخطط واضح الملامح ومعلن عنه لإغراق المنطقة في الفوضي وتدخل فج في أدق الشئون الداخلية للبلاد من جانب قوي عالمية كبري وإقليمية صغري، مع تحمل ما هو أخطر من ذلك في مواجهة فيالق من المتآمرين من الداخل كانت مهمتهم الأساسية هي تنفيذ المخطط مع إشاعة الفوضي
ويرى مصطفى بكرى ان لغز المشير ايضا يتجلي في القدرة الخارقة علي تحمل الحرب النفسية التي استهدفت القوات المسلحة المصرية، فقد كان يعرف منذ اللحظة الأولي أن استفزاز الجيش لجره للصدام مع قطاعات مع الشعب، هو الهدف الأول وهو الخطر الأول، فلم يكف عن إصدار تعليمات بضبط النفس تجاه أي استفزاز، كما أمر بسحب الذخيرة الحية من قوات الحرس الجمهوري واستخدام "طلقات فشنك" .
استطاع الرجل بمنتهى الحكمة والقدرة والكفاءة أن يحافظ على سفينة الوطن من الغرق فى الفترة التى واكبت أحداث 25 يناير، بعد أن تنحى مبارك نتيجة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، وبموجب البيان الخامس الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، أصبح المشير"محمد حسين طنطاوى" الحاكم الفعلى لمصر عقب ثورة 25 ينايروممثلاً للجمهورية فى الداخل والخارج.
وفور تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى مسئولية السلطة فى البلاد، استطاع فى وقت قصير الحفاظ على هيبة ومكانة القوات المسلحة المصرية فى العالم، وكان الضامن الأمين للتطور الديمقراطى فى مصر، لم لا وهو الرجل الذى يتمتع بثقة كبيرة فى الداخل والخارج
وألقى عليه أعباء عهد جديد على مصر والمنطقة، وقد نجح فى كل الاختبارات التى تعرض لها بنجاح منقطع النظير، ورغم كل محاولات الاستفزاز التى تعرض لها الرجل وتعرضت لها القوات المسلحة فى تلك الفترة الدقيقة الا أنه كان بمثابة حائط الصد و"القميص الواقى" الذى يتلقى الضربات عن الشعب
القيادة السياسية للراحل العظيم هي امتداد لخبرة في العسكرية المصرية والانتصارات التي حققها على العدو في حروب الاستنزاف واكتوبر ٧٣ وقاد واحدة من أهم المعارك بل وأخطر البطولات المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، أثناء قيادته الكتيبة 16 من الفرقة 16 مشاة.
وكان وقتها برتبة مقدم، وذلك نظرًا لتأثيرها الكبير سواء من الناحية التكتيكية على أرض المعركة أو من الناحية النفسية بين الجنود، بما أسهم في تحقيق الانتصار المدوي على العدو الصهيوني.
وحسب كافة المعلومات والمصادر العسكرية والتاريخ ية عن تلك المعركة الملحمة. فقد بدأت مهام الكتيبة يوم 6 أكتوبر بعبور المانع المائي لقناة السويس في نصف ساعة فقط، بدلا من ساعة، ثم بدأت الكتيبة في التقدم باتجاه الشرق وحققت مهامها الأولية باستيلائها على رؤوس الكباري الأولى وصد وتدمير الهجمات المضادة التي وجهت إليها، وكانت حصيلة ذلك تدمير 5 دبابات من قوات العدو، وعزل النقطة القوية بالدفرسوار وحصارها، ثم قامت الكتيبة بتطوير الهجوم في اتجاه الشرق وتحقيق مهمة احتلال رأس الكوبري النهائي، مع الاستمرار في صد وتدمير الهجمات المضادة للعدو.
خاضت الكتيبة اهم معاركها وهي معركة المزرعة الصينية، التي ابكت أشهر قادة إسرائيل وقتها في الحرب وهو اريل شارون بسبب الخسائر الفادحة التي كبدتها له ولقواته كتيبة المقدم محمد حسين طنطاوي
ومنطقة المزرعة الصينية يرجع تاريخها إلى عام 67 حيث تم استصلاح هذه الأرض لزراعتها وتم إنشاء بعض المنازل بها وشقت الترع وقسمت الأحواض لزراعتها، وكان يطلق عليها أيضًا قرية الجلاء.
بدأت المعركة في هذه المنطقة عندما استنفذ العدو الإسرائيلي جميع محاولاته للقيام بالهجمات والضربات المضادة ضد رؤوس الكباري فبدأ يتجه إلى ضرورة تكثيف الجهود ضد قطاع محدد حتى تنجح القوات الإسرائيلية في تحقيق اختراق تنفذ منه إلى غرب القناة، وكان اختيار القيادة الإسرائيلية ليكون اتجاه الهجوم الرئيسي لها في اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثاني الميداني في قطاع الفرقة 16 مشاة وبالتحديد في اتجاه محور الطاسة والدفرسوار، وبذلك أصبحت المزرعة الصينية هي هدف القوات الإسرائيلية المهاجمة في اتجاه قناة السويس على هذا المحور.
وخلال هذه الفترة ركزت القوات الإسرائيلية كل وسائل النيران من قوات جوية وصاروخية ومدفعية باتجاه تلك المنطقة، وكان الهدف من الضرب وخاصة في مقر تمركز الكتيبة 18 هو تدمير الكتيبة أو زحزحتها عن هذا المكان باتجاه الشمال بأي وسيلة.
يوم 15 أكتوبر قام العدو بهجوم مركز بالطيران طوال النهار على جميع الخنادق وقيادة الكتيبة وكان الضرب دقيقا ومركزًا، كما سلطت المدفعية بعيدة المدى نيرانها بشراسة طوال ساعات سطوع الشمس، واستمر هذا الهجوم حتى الغروب، ومع ذلك لم يصب خلال هذا الضرب سوى 3 جنود فقط، وكان ذلك بسبب خطة التمويه والخداع التي اتبعتها الكتيبة، وقبل أي ضربة جوية كانت تحلق طائرات لتصوير الكتيبة، وبعد التصوير مباشرة كانت تنقل الكتيبة بالكامل لمكان آخر فيتم ضرب مواقع غير دقيقة.
وفى الساعة الثامنة إلا الربع مساء نفس اليوم وصل إلى أسماع الكتيبة أصوات جنازير الدبابات بأعداد كبيرة قادمة من اتجاه الطاسة، وبعدها بربع ساعة قام العدو بهجوم شامل مركز على الجانب الأيمن للكتيبة مستخدمًا 3 لواءات مدرعة بقوة 280 دبابة ولواء من المظلات ميكانيكى عن طريق 3 محاور مكونة من فرقة أدان القائد الإسرائيلي من 300 دبابة وفرقة مانجن القائد الإسرائيلي 200 دبابة ولواء مشاة ميكانيكى وتم دعمهم حتى يتم السيطرة.
وعزز لواء ريشيف القائد الثالث بكتيبة مدرعة وكتيبة مشاة ميكانيكى وكتيبة مشاة ميكانيكى مستقلة، وأصبحت بذلك قيادة ريشيف 4 كتائب مدرعة وكتيبة استطلاع مدرعة و3 كتائب مشاه ميكانيكى وأصبحت تشكل نصف قوة شارون.
ومع كل هذا الحشد من القوات قام العدو بالهجوم وتم الاشتباك معه بواسطة الدبابات المخندقة والأسلحة المضادة للدبابات وتم تحريك باقي سرية الدبابات في هذا الاتجاه، وقد أدت هذه السرية مهمتها بنجاح باهر، حيث دمرت 12 دبابة ولم تصب أي من دباباتنا بسوء، وتم اختيار مجموعة قنص من السرايا وبلغت 15 دبابة وتم دفع أول مجموعة وضابط استطلاع وضباط السرايا، ثم دفعت الفصيلة الخاصة ومعها الأفراد حاملي الآر.بى.جى إلى الجانب الأيمن وقامت بالاشتباك مع العدو حتى احتدمت المعركة وقلبت إلى قتال متلاحم في صورة حرب عصابات طوال الليل حتى الساعة السادسة صباح اليوم التالي، وقد تم تدمير60 دبابة في هذا الاتجاه.
وفى الساعة الواحدة من صباح يوم 16 أكتوبر قام العدو بالهجوم فى مواجهة الكتيبة 18 مشاة وأمكن صد هذا الهجوم بعد تدمير 10 دبابات و4 عربات نصف مجنزرة، ثم امتد الهجوم علي الكتيبة 16 الجار الأيسر للكتيبة 18 مشاه وكانت بقيادة المقدم محمد حسين طنطاوى، وكانت قوة الهجوم عليه من لواء مظلي ومعه لواء مدرع وكتيبة، ونتيجة لقرار قائد الكتيبة تم حبس النيران لأطول فترة ممكنة وبإشارة ضوئية منه تم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة 16 مشاة ضد هذه القوات المتقدمة واستمرت المعركة لمدة ساعتين ونصف الساعة حتى أول ضوء.
وجاءت الساعات الأولى من الصباح مكسوة بالضباب مما ساعد القوات الإسرائيلية على سحب خسائرها من القتلى والجرحى، ولكنها لم تستطع سحب دباباتها وعرباتها المدرعة المدمرة والتي ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها طوال اليومين التاليين.. وانهار شارون وبكي عندما رأي بعينيه خسائر قواته وهزيمتها المذلة
فقد شارون وادان أكثر من 500 جندى، بالإضافة إلى قتل ضباط الصفين الأول والثانى من قادة الألوية والسرايا، وهو ما اعترف به قادة إسرائيل فيما بعد، مؤكدين أن شراسة معارك الثغرة لم تحدث فى تاريخ الحروب بعد تلاحم المدرعات المصرية والإسرائيلية، وحرق المئات من العربات المدرعة والمجنزرات
وفي حديث تليفزيون نادر للحديث عن حرب أكتوبر ومعركة المزرعة الصينية قدم المشير طنطاوي نفسه بكلمات:" انا
"العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة 1 مشاة فى حرب اكتوبر..وروي تفاصيل المعركة"..
".
وختم حديثه عن حكايات أبطال أفراد الكتيبة بقوله: "كل همى أن أنا مرجعش ولا فرد من الأفراد اللى جم الموقع حى، تلك هى معركة من المعارك التى خاضتها الكتيبة منذ العبور حتى إيقاف اطلاق النار، يكفينا فخرًا أن الكتيبة لم تتكلف فى العبور إلا شهيدا واحدا وهو "عادل بصاروف".
هكذا روى البطل المشير محمد حسين طنطاوى جزءا من ملحمة جمعته مع أبطال القوات المسلحة على جبهة القتال حتى استطاعوا تحقيق النصر واسترداد سيناء الحبيبة بعد أن دنسها الاحتلال
وقد لا يعرف الكثيرون أن المشير طنطاوى هو بطل عسكرى من طراز خاص، خاض أربع حروب دخلتها مصر ضد إسرائيل، فكان أحد أبطال حرب 56، وشارك فى حرب النكسة سنة 1967، وبعدها فى حرب الاستنزاف، ومن أقواله:" ان حرب الاستنزاف كانت فترة زاهرة فى تاريخ القوات المسلحة المصرية، حيث كان الجيش يقاتل ويستعد ويعيد بناء القوات فى نفس الوقت، فقد أعطت الحرب الجنود والضباط الثقة بالنفس، كما منحت الشعب الثقة فى الجيش"
نال المشير محمد حسين طنطاوى خلال مشواره العسكرى العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات منها وسام التحرير، ونوط الجلاء العسكرى، ونوط النصر، ونوط الشجاعة العسكري، ونوط التدريب، ونوط الخدمة الممتازة، ووسام الجمهورية التونسية، ووسام تحرير الكويت، ونوط المعركة، وميدالية تحرير الكويت، بالإضافة إلى ميدالية يوم الجيش
رحم الله القائد البطل والأستاذ والمعلم المشير محمد حسين طنطاوى الذي سيبقى ابدا في ضمير هذا الوطن وهذه الأمة نمذجا للفداء والاخلاص والتضحية ورمزا لمدرسة الوطنية المصرية.