وجه سيد قطب نداءه إلى قادة ثورة 23 يوليو 1952: «أخرسوا هذه الأصوات الدنسة».. كان «الغناء» هو مرمى هجومه هذه المرة، واعتبر أن أصواته العظيمة مثل محمد عبدالوهاب، ومحمد فوزى، وفريد الأطرش، وعبدالعزيز محمود، وليلى مراد، ورجاء عبده، وفايدة كامل، وشهر زاد، «أصوات دنسة» لا بد من إخراسها بأى وسيلة.
كتب سيد قطب هذا النداء فى مقال نشرته مجلة «الرسالة» فى عددها الصادر يوم «22 سبتمبر، مثل هذا اليوم عام 1952»، تحت عنوان «أخرسوا هذه الأصوات الدنسة»، وجاء المقال فى سياق تصوراته للمجتمع الثورى الذى يجب أن يكون بعد قيام ضباط الجيش بحركتهم بإسقاط حكم الملك فاروق.. أراده مجتمعا بلا فن أو غناء حتى لو كانت أصواته مثل هذه الأسماء الاستثنائية فى تاريخ الغناء العربى، كما أنه وحسب الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى كتابه «سيد قطب وثورة 23 يوليو»: «لم يشغل نفسه بالقضايا السياسية والتغييرات الحكومية وإعادة بناء أجهزة الدولة، وإلغاء الأحزاب ومصادرة صحفها فقط، بل اهتم بإعادة صياغة أذواق ووجدان الناس، وأعطى للدولة واجب التدخل والقيام بتلك العملية، بغض النظر عما تريده أذواق الناس».
أهدى سيد قطب مقاله إلى وزير الدولة وضباط الجيش، وكان وزير الدولة آنذاك فتحى رضوان، وكانت الإذاعة من بين اختصاصاته ومهامه، ويوجه الاتهام إلى القائمين عليها قائلا: «محطة الإذاعة المصرية لم تشعر بأن هناك ثورة فى هذا البلد، وقد ظل إدراكها لمعنى الثورة محصورا فى إضافة بعض إذاعات جديدة إلى البرنامج العادى، قائمة على جهد فردى بحت، لا على أساس انقلاب أساسى فى عقلية الإذاعة».. يضيف: «العقلية المشرفة اليوم على المحطة هى ذاتها العقلية التى كانت تشرف عليها منذ نشأتها».
يستغرق فى الحديث عن المسؤولين بالإذاعة، وعمن حصل منهم على لقب «بك» ومن ينتظر منهم ذلك اللقب، وأنهم تفانوا جميعا فى إرضاء الملك والعقليات التى كانت مسيطرة على البلاد قبل 23 يوليو 1952، وانعكس أداء تلك العقليات والشخصيات على الإذاعة .. يقول: «ما زالت تبث على الناس ما كانت تبثه من قبل «الأصوات الدنسة التى ظلت تنثر على الشعب رجيعها خلال ربع قرن من الزمان، هى ذاتها التى تصبها الإذاعة على هذا الشعب صبا، وتكثر من عرض أشرطتها المسجلة بحجة أن الجماهير تحب هذه الأصوات».
يحدد «قطب» أصحاب تلك الأصوات وهم: محمد عبدالوهاب، محمد فوزى، فريد الأطرش، عبدالعزيز محمود، ليلى مراد، رجاء عبده، فايدة كامل، شهر زاد، ويصب عليهم أقذع الصفات كقوله: «مخلوقات شائهة بائسة»، ويقول أيضا: «إن هذا الطابور المترهل الذى ظل يفتت صلابة هذا الشعب ويدنس رجولته وأنوثته هو المسؤول عن نصف ما أصاب حياتنا الشعورية والقومية من تفكك وانحلال خلال الفترة الماضية».
يذهب «قطب» إلى أن الفنانين كانوا أخطر على الشعب المصرى من الملك فاروق ذاته، وفى ذلك يقول: «إن فساد فاروق وحاشيته، ورجال الأحزاب ومن إليهم، لم يدخل كل بيت، ولم يتسلل إلى كل نفس، أما أغانى هذا الطابور وأفلامه فقد دخلت إلى البيوت وأفسدت الضمائر، وحولت هذا الشعب إلى شعب مترهل لا يقوى على دفع ظلم أو طغيان».
وينتقل «قطب» من وصف الشعب المصرى بـ«المترهل» إلى الهجوم ضد الموسيقار محمد عبدالوهاب بشكل خاص، قائلا: «عبدالوهاب ينفث فى روعه أن الدنيا سيجارة وكاس، يغنى أخيرا نشيد الحرية للأستاذ كامل الشناوى، فماذا صنع به؟، لقد استحال فى حنجرته رجيعا ضارعا، ووصل إلى ضمير الشعب دعوة خانعة إلى تهويمة مخدرة، ومع أن تلحين النشيد من الناحية الموسيقية فيه جهد واضح، ولكن الكارثة كلها تكمن فى طريقة الأداء الصوتية التى انطبعت بالشجن الضارع المترهل المحلول، عبدالوهاب رأس مدرسة، والآخرون ليسوا خيرا منه بل هو شر».
يواصل «قطب»: «إن هذه الأصوات بذاتها تكون جريمة وطنية، وجريمة إنسانية بغض النظر عما تقول، فلقد تحولت هى ذاتها إلى ميوعة مدنسة حتى لو كانت تنشد نشيدا حماسيا، ولا سبيل لعلاج هذه المخلوقات الشائهة والزرية»، ويرى أن الوسيلة الوحيدة للتعامل مع هؤلاء: «أن تخرس هذه الأصوات الدنسة إلى الأبد إذا أردنا أن نربى روح هذا الشعب تربية جديدة، وأن نبث فيه حياة جديدة».
ويرد على حجة حب الجماهير لهذه الأصوات بقوله: «الجماهير تحبها نعم، كما أن هذه الجماهير تحب المخدرات، ولكن واجبنا اليوم هو حماية هذه الجماهير من الأصوات التى تحبها كما نحميها من المخدرات التى تحبها كذلك».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة