حين يتوجه الشعب الألماني غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع لاختيار الأعضاء الجدد للبرلمان ، يضع بأصواته نهاية مرحلة مهمة من تاريخ الدولة الألمانية وهي مرحلة المستشارة أنچيلا ميركل ، حيث يتم اختيار المستشار الألماني الجديد الذي سيخلف السيدة ميركل أول سيدة تتولى المستشارية الألمانية ، والتي حكمت لمدة ستة عشرة عاما متتالية ، لأول مرة في تاريخ ألمانيا وربما تكون الإخيرة أن يستمر سياسي كل هذه السنوات بنجاح !
نجاح ميركل خلال سنوات حكمها الطويلة ليس نجاحا للمرأة الألمانية فقط ، لكنه نجاح لقدرات المرأة في العالم كله ، وهو ما حققته من قبل السيدة مارجريت تاتشر في إنجلترا والسيدة بناظير بوتو في باكستان وغيرهن ، لكن السيدة أنچيلا ميركل كان لها شأن آخر ، فهي السيدة القوية صاحبة القرارات الشجاعة ، والتي استطاعت أن تحقق نجاحًا اقتصاديا واجتماعيا ودوليا كبيرا ، لكنها أيضا قدمت وجها إنسانيا قلما يحرص الساسة على إظهاره .
كان لميركل موقفها المحترم من الدولة المصرية في أعقاب ثورة ٣٠ يونيو ، واحترام إرادة الشعب المصري ، في فترة شديدة الحساسية من تاريخ مصر ، ثم توثيق التعاون الاقتصادي بين البلدين كان نقطة تحول كبيرة ، وكذلك تأييدها للجهود المصرية في الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية ، كلها أمور كانت داعمة بشكل أو بآخر للدولة المصرية في وقت كانت تتعرض فيه مصر وقيادتها لمحاولات تشويه ممنهجة .
حين سئلت ميركل عن خططها في المرحلة القادمة ؟ قالت أن أول شيءٍ ستفعله هو لا شيء ! ربما تنجح ميركل لبعض الوقت في الابتعاد عن السياسة لكني لا أعتقد أن سيدة بخبرتها وحكمتها ونشاطها يمكن أن تستمر في هذا اللاشيء .. لهذا أتمنى لو تدعو الدولة المصرية هذه السيدة العظيمة إلى مصر في زيارة خاصة ، تقديرا وامتنانا لدورها وشجاعتها، فعلاقة السيدة أنچيلا ميركل بمصر ليست علاقة سياسية فحسب ، بل نحن نقدر ونثمن شجاعتها وقدرتها على تقييم الأمور بتجرد .
أما الأمر الأخير هو ذلك الشجن الذي يتركه رحيل ميركل وأمثالها من الساسة وذوي الخبرات والرؤى ، والفراغ الذي يتركونه لسنوات طويلة، صحيح أن الأنظمة الديمقراطية ذات الإحزاب القوية تستطيع أن تجدد دمائها ، لكنها لا تجد بسهولة من هو مثل أنچيلا ميركل ، التي حفرت إسمها في تاريخ عظماء العالم وهم قليل .