يحفل التاريخ المصرى بصفحات مضيئة كثيرة، أكثر مما نتخيل، وذلك لأن مصر دولة قديمة وحضارة كبيرة شهدت أحداثا جمة، وكان للمصريين مواقف عظيمة منها الوقوف في وجه حملة فريزر البريطانية في سنة 1807 في مدينة رشيد.
كانت الحملة الفرنسية قد خرجت من مصر منذ سنوات قليلة في سنة 1801، ومن آثار هذه الحملة أنها فتحت شهية الاستعمار الحديث على مصر ، ولما كان الصراع بين فرنسا وإنجلترا قائما بالفعل، فإن بريطانيا أدركت أن مصر حجر زاوية مهم في السيطرة على العالم الحديث، لذا عادت وأنزلت جنودها في الإسكندرية وتحركت ناحية رشيد، ولكن الشعب كان في انتظارها.
لم ينتظرها الشعب مرحبا، العكس تماما هو ما حدث، كان الناس البسطاء قد شكلوا مقاومة شعبية ضد هذا المحتل، وهنا وجب القول إن محمد على باشا الذى كان قد تولى الحكم فى سنة 1805 يحارب المماليك في الصعيد، بالتالى ليس أمام هذا الشعب الرافض للمحتل سوى المقامة.
وبعيدا عن طرق المقاومة، التي يحلو للبعض أن يهون منها لدرجة أن يقول لنا إن النساء كن يضربن الجنود الإنجليز بآنية البيت البسيطة، فإن الفكرة أكبر من ذلك وأعمق، فهذه المرأة البسيطة كانت تعرف أن حياتها مهددة وأنه من الممكن أن يقتلها هذا الجندي.
ولنا أن نقرأ ما قاله الجبرتى عن واقعة رشيد "في يوم الجمعة رابع عشرين محرم سنة 1222 وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الإنجليز وصلت إلى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه (أى 31 مارس سنة 1807) ودخلوا إلى البلاد وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر متنبهين ومستعدين بالأزقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فألقوا ما بأيديهم من الأسلحة وطلبوا الأمان فلم يلتفوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين وفرت طائفة الى ناحية دمنهور" .