للإنسان الحق في صيانة عرضه وشرفه واعتباره بحسبانها من مقومات شخصيته ومقتضي ذلك وجوب معاملته من الجميع بأدب واحترام، ويتعرض الحق في صيانة العرض والشرف والاعتبار للانتهاك حين يتم التلاعب في بيانات الشخص كصور أو فيديوهات تخصه كان قد بثها أو نشرها من خلال إقحام أمور أو إشارات أو كتابات مخلة بالآداب لم تصدر منه أو لإظهاره بصور تمس بعرضه أو شرفه أو اعتباره على عكس الحقيقة بل أن الأخلاق العامة في المجتمع تتطلب إخفاء أي مظاهر جنسية ولو كانت صحيحة عن أعين الناس تجنبا لخدش الحياء العام في المجتمع فما بالنا أن كان هذا وذاك مصطنع ومزيف.
ولا نبعد عن الحقيقة - إذ قررنا أن ظاهرة اصطناع صور أو بيانات مخلة بالآداب تخص إنسان أو تنال من شرفه واعتباره، قد انتشرت في الآونة الأخيرة بصوره مذهلة حتى ضج الناس منها وساعد في ذلك برامج تقنية المعلومات التي جعلت من الميسور معالجة البيانات الشخصية للناس بتركيب صور وفيديوهات لهم في أوضاع مخلة بالآداب، أو تدعو للدعارة والفجور أو وضع بوستات وكتابات علي صور علماء وشخصيات عامة تدعو إلى اظهارهم بصورة تمس بشرفهم واعتبارهم والجميع في حقيقة الأمر بريء من كل ذلك.
التجريم والعقاب في استخدام برامج تقنية المعلومات في اصطناع صور مخلة بالآداب
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية التجريم والعقاب في استخدام برامج تقنية المعلومات في اصطناع صور أو بيانات مخلة بالآداب تخص إنسان أو تنال من شرفه واعتباره، وذلك في الوقت الذى ظهرت فيه على سبيل المثال برامج متطورة لتحويل الصور والفيديوهات الصحيحة إلى أخرى فاضحة، وبدأ ذلك في نهاية العام الماضي 2017، حيث قام أحد الأشخاص المجهولين بابتكار برنامج يدعى "Fake APP" يمكنه من إنتاج فيديوهات مصورة عن طريق تركيب صور وجه أشخاص لأشخاص آخرون على تلك الفيديوهات، وأعلن المحللون أن هذه التقنية الحديثة قد تكون موجة غير محسوبة من الأخبار الكاذبة - Fake News - التي تنتشر كثيرا على مواقع الإنترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعي - فيس بوك وتويتر، وانستغرام - مما قد يزيد من صعوبة الوصول للأخبار الصحيحة وكذلك يصبح الوصول للحقيقة من المستحيلات.
وقد بحث المحللون عن مدى حقيقة ومصداقية هذه الفيديوهات، ليكتشفوا أنه قد تم صنعها من خلال برامج التعلّم العميق "Deep Learning" والتي تعد أحدث الموجات في عالم الذكاء الاصطناعي، ولعل أشهر الفيديوهات التي صنعت بواسطة برنامج "Fake APP" هو "لجال جادوت" بطلة فيلم "Wonder Women"، فقد ظهرت في مشهد مرتدية ملابس لافتة للأنظار غير لائقة، وبالبحث في هذا الفيديو تبين قيام أحد الأشخاص المجهولين بتركيب وجه الممثلة الشهيرة على جسم ممثلة إباحية، وقد ظهر ذلك متطابقا جدا، وفيديو آخر ظهر فيه الرئيس الأميركي الأسبق أوباما يقوم فيه بإدلاء رأيه في الرئيس السابق ترامب ووصفه بصفات وألفاظ غير لائقة، وقد توقع المحللين وصول عدد مثل هذه الفيديوهات إلى الملايين خلال الأشهر القادمة، فهذا البرنامج لكونه مجانيا ومتاحا للجميع وسهل الاستخدام مكّن الهواة وغير المختصين في التعديل على الفيديوهات بشكل كان يتم في السابق على أيدي المحترفين خلال مدد طويلة وبتكلفة مالية ضخمة، الأمر الذي كان يجعلها مقتصرة على استوديوهات هوليوود.
المشرع تصدى لتلك الجريمة في قانون تقنية المعلومات
وفى هذا الشأن – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق - من الناحية القانونية لا يوجد الكثير من القوانين لإنصاف ضحايا تلك الفيديوهات والصور الزائفة، ففى مصر لم يكن المشرع حتي وقت قريب يعاقب علي هذا السلوك غير الأخلاقي إلا إذ تم النشر أو البث في علانية وفقا لمفهوم المواد 171 و187 و302 و304 و309 مكررا عقوبات في صورة نشر صور مخله للآداب العامة أو القذف والسب أو الاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة، كما أن تلك المعالجة أو بالأحرى الاصطناع لا تندرج في عداد التزوير والاستعمال لانحسار وصف المحرر عن الرابطة المعالجة إلكترونيا، ولم يقف المشرع أمام تلك الظاهرة التي تهدد أعراض الناس وشرفهم واعتبارهم موقفا سلبيا، بل لاحظ قصور الحماية فجرم هذا السلوك في قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، ورصد له عقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة مالية كبيرة أو احدي العقوبتين.
وبحسب "فاروق" في تصريح لـ"اليوم السابع" - إذ نصت المادة 26 من القانون المذكور علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه.
العقوبة تصل للحبس 5 سنوات و300 ألف جنيه غرامة
ووفقا لـ"فاروق": هذه الجريمة مستحدثة ولم يتم دراستها بشكل دقيق من قبل الباحثين حتى أنه يكاد يندر وجود دراسات متخصصة سابقة في هذا الموضوع، ربما لأن البحث فيها يحتاج فضلا عن الإلمام العام بطبيعة الجرائم، وتقسيمها إلى خبرة فنية في مجال تكنولوجيا تقنية المعلومات، وعلي أي حال فإن خطورة هذه الجريمة لا ترجع فقط إلى ما يسببه الاصطناع من أضرار بالغة بالمجني عليه، وإنما خطورتها الكبرى على الرأي العام نفسه وما تحدثه هذه الجريمة من صدمه وقلق وشك في الأخلاق العامة والفردية والحشمة والحياء، وهي جريمة من جرائم القالب المقيد التي يتخذ ركنها المادي استخدام وسيلة محددة في غرض بعينه لا تقع دونهما، وهذه الوسيلة هي استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية أما الغرض فهو معالجة معطيات شخصية الغير لربطها بمحتوى مخل بالآداب أو لإظهارها بصوره ماسة بشرفه أو اعتباره.
وهي من ناحية ثانية - من جرائم الحدث المجرد إذ يكفي لتحققها مجرد معالجة بيانات شخصية للغير في الغرض المحدد دون لزوم تحقق أي أمر آخر كالنشر أو البث أو الإذاعة أو حتي إطلاع أحد على الرابطة المصطنعة، وهي فوق ذلك من جرائم السلوك المادي ذو المضمون النفسي المتمثل في استهداف الجاني من معالجة معطيات شخصية الغير ربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو لإظهارها بصوره تمس بشرفه أو اعتباره، ولو لم يطلع على الرابطة المطبعة غير الجاني وحده، كما لو اصطنعها ليحتفظ بها لنفسه لملذاته الشخصية، إذ حكمة التجريم حماية البيانات الشخصية للغير وليس فضحه أو التشهير به ومادام من المحتمل العثور على الرابطة المصطنعة.
الجريمة تقوم على ركنين مادى ومعنوى
وتنهض هذه الجريمة على ركنين أحدهما مادي والآخر معنوي، فأما الركن المادي، فهو استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير، ومن المعروف أن البرنامج المعلوماتي هو مجموعة الأوامر والتعليمات المعبر عنها بأية لغة أو رمز أو إشارة والتي تتخذ أي شكل من الأشكال، ويمكن استخدامها بطريق مباشر أو غير مباشر في حاسب آلي لأداء وظيفة أو تحقيق نتيجة سواء كانت هذه الأوامر والتعليمات في شكلها الأصلي أواي شكل آخر تظهر فيه من خلال حاسب آليأ ونظام معلوماتي، أما التقنية المعلوماتية فهي مجموعة برامج وأدوات معدة لغرض إدارة ومعالجة البيانات والمعلومات أو تقديم خدمة معلوماتية.
وهذه المعالجة المصطنعة من خلال البرامج أو التقنية سواء لدي القانون أن تتم كُلِّيًّا أو جزئيا لكتابة أو تجميع أو تسجيل أو حفظ أو تخزين أو دمج أو عرض أو إرسال أو استقبال أو تداول أو نشر أو محو أو تغيير أو تعديل أو استرجاع أو استنباط البيانان والمعلومات الإلكترونية، وسواء أن يتم ذلك باستخدام أي وسيط من الوسائط أو الحاسبات أو الأجهزة الأخرى الإلكترونية أو المغناطيسية أو الضوئية أو ما يُستحدث من تقنيات أو وسائط أخرى، فيلزم أن تتم المعالجة المصطنعة من برامج أو أي تقنية ومن ثم لا تقع هذه الجريمة أن تمت المعالجة أو بالأحرى الاصطناع بطريقه تقليدية كقص وجه شخص بمقص ولزقه علي جسم عاري بمادة لاصقة.
شروط قيام الجريمة
ويتعين أن ترد تلك المعالجة علي جوانب شخصية إنسان من الغير وبشرط أن يكون محددا أو يمكن تحديده، أما أن أجريت على بيانات شخص اعتباري أو الجاني نفسه، فلا تتحقق الجريمة التي نحن بصددها كالشخص الذي يصطنع لنفسه صور أو بيانات لشخصية عامة أو ممثل جنس شهير أو مهنة لا يمتهنها، وسواء لدي القانون نوع هذه الجوانب مادام تعلقه بالغير فهي تشمل أي بيانات متعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر بشخصية إنسان كصورته أو مهنته أو محل إقامته أو مكان عمله متى أمكن الربط بينها وبين بيانات أخرى.
ويلزم أخيرا لتحقق الركن المادي أن يربط الجاني هذه المعطيات الشخصية بمحتوى مناف للآداب العامة أو باي محتوي آخر من شأنه إظهار صاحب الشخصية المعالجة في صورة تمس بشرفه أو اعتباره، وفكرة الآداب العامة اجتماعية بالدرجة الأولى تختلف بظروف الزمان والمكان وتستمد من قواعد الدين والأخلاق والمثل العليا فأي مساس بهذه القواعد يعد انتهاك للآداب العامة، وإن كان سيطر لدي عامة الناس انحسار تلك الفكرة في العرض أو بالأحري الجنس كتركيب صورة فتاة على جسم عارٍ أو تركيب عبارات بذيئة على صورة شخص.
الفرق بين النقد البناء والاحتقار
أما الشرف والاعتبار - فيقصد به المكانة الاجتماعية للإنسان ولزوم احترامه من الغير فأي معالجة تمس بتلك المكانة تحقق الجريمة كاصطناع رابطة ونسبتها إلي إنسان بطريقه تودي إلى احتقاره عند الناس، ومن ثم لا تقع الجريمة إذا تمت المعالجة بغرض التعليق أو النقد البناء أو إبداء النصح أو المدح أو الإشادة، أما الركن المعنوي فيتخذ صوره القصد الجنائي بأن تتجه إرادة الجاني إلى استعمال برامج تقنية المعلومات في اصطناع بيانات لشخصية الغير بربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو لإظهاره بصورة تمس بشرفه أو اعتباره مع العلم بكافة عناصر الركن المادي، فإن أعوزه العلم لم يقم القصد كما إذا أجري معالجة لبيانات إنسان بغرض حميد ولكنه أخطأ بربطها بمحتوى مخل بالآداب أو ماس بالشرف والاعتبار فضبط إذ بالعمد لا بالإهمال تتحقق الجريمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة