خطت مصر خطوات مهمة فى التنمية، وحل الرئيس عبدالفتاح السيسي، معادلة صعبة، واستعاد دور الدولة فى الداخل والخارج، وأعلن منذ البداية أن الخطط تشمل كل الاتجاهات والملفات والمحاور، مع إدراك لأهمية الوقت حيث على مصر أن تعوض فى عملها جزءا مما فات فى الماضى، وتقطع مسافة جديدة حتى يمكن علاج الفجوة التنموية.
ومن بين الملفات المعقدة والتى تأثرت بالتراجع والتدهور ملف العمران الذى يختلف عن البناء والتوسع الأفقى، لكنه نمط فى البناء يحافظ على هوية الشعب ويعبر عن ثقافته وطموحاته وهذا ليس بالمبانى الفاخرة والعمارات لكن بطريقة بناء تعكس هذه الثقافة، ولدى مصر تاريخ فى العمران والبناء الحضارى، وحتى فى الريف فإن المنازل القائمة بالطوب اللبن تحمل جمالا وراحة أكبر من المبانى الأسمنتية التى قامت فى المدن والريف، وقضت على الأراضى الزراعية والشوارع.
هذه الفجوة فى التنمية نتجت من تراكمات خلال عقود، حيث المشروعات والمصانع التى قامت فقدت إمكاناتها بالإهمال والفساد، أو أنها عجزت عن التحديث والتطوير فتأخرت وخرجت من الخدمة وهناك بعض الشركات أجرت عملية خصخصة نتج عنها التفكيك والتصفية بعد تحويل الأصول إلى أراض للبناء.
وهنا ننتقل إلى النقطة الأهم، وهى أن حركة البناء على مدى عقود كان هدف الشركات والأفراد منها تحقيق أكبر قدر من الأرباح من دون نظرة إلى المجتمع، أى الشكل وأى حق الناس فى الشوارع، أو حتى فى البيوت نفسها.
وبسبب عشوائية البناء وطمع كبار مضاربى العقارات نشأت حالة من البناء هدفها إنتاج أكبر عدد من الشقق والعمارات لتحقيق أرباح من دون أى اهتمام بالشارع أو المجتمع، وتحت ضغط أزمة الإسكان كان الطلب على الشقق كبيرا، مع غياب أى قواعد للبناء من قبل الدولة والمحليات ممثلة فى الإدارات الهندسية فى مجالس المدن والأحياء والقرى، ونعرف باقى القصة حيث تمت على مدى العقود الماضية منذ السبعينيات من القرن العشرين، أكبر عمليات تبوير وتجريف وبناء على الأراضى الزراعية، ولم يتوقف الزحف العشوائى على المدن والريف لكنه امتد حتى إلى المناطق السكنية المخططة وقتها وعلى رأسها مدينة نصر التى كانت مثالًا لفقدان الهوية المعمارية ونشر العشوائية، وبجانب العشوائيات التى نشأت وصنعت أحزمة حول القاهرة والمحافظات، لعب التفكير العشوائى دورًا فى إنتاج مناطق وشوارع وأحياء بالفكر العشوائى، حتى الأحياء العريقة والشعبية لم تنج من زحف الفكر العشوائى المدفوع برغبة الربح والمسنود بتواطؤ وفساد الإدارات الهندسية والمحليات.
والواقع أن المسؤولية تقع على الدولة والمجتمع، حيث مثل ارتفاع أسعار المساكن وعجز الدولة عن تلبية الطلب وترك الأمر للعشوائية، حيث تم منح الأراضى بلا ضوابط للتسقيع والإسكان الفاخر، وهو ما استهلك البنية الأساسية بينما تراجع الإسكان المتوسط والمنخفض.
وخلال شهور ما بعد يناير استغل الكثيرون غياب السلطة، وأقاموا عمارات وأبراج مخالفة أى على أراض زراعية، وفى حرم الطرق والشوارع بل وفى النيل وعلى أراضى الدولة.
وانتهينا إلى مشهد لا يمكن أن يستمر العمران المصرى أصبح متكدسًا بالسكان والأنشطة، وعانى قبل عام 2014 من نقص خدمات وتكدس، وتدهورت بنيته الأساسية وأصبحت المدن المصرية أكثر مدن العالم ازدحامًا، وهو ما يشكل فقر العمران، والعمران ليس رخيصا ولكنه فقير، لأنه حسب توصيف وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية عاصم الجزار، «عمران لا يستفيد من مقوماته وليست لديه أدوات للتغيير»، من هنا جاء توجيه الرئيس بإنشاء جيل جديد من المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتطوير المعمار القائم، وفى عام 2014 كنا 90 مليونا ونعيش على 7% من مساحة العمران، ونحن فى 2021 نعمل على 13.7 من مساحة الجمهورية، وقاربنا على الوصول للمستهدف فى 2022.
وقد وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى، الإسكان والعمران ضمن خطط التطوير، وبشكل جذرى يسعى لعلاج سريع لأزمة البناء، ثم بدائل للإسكان تتنوع حسب النفقات المادية، الإسكان الاجتماعى للشباب، ومجتمعات واسعة وإنسانية بديلا للعشوائيات، ومبادرة حياة كريمة لإعادة صياغة الريف والقرى لأكثر من نصف سكان مصر الطرق والصرف والغاز، وفى الأقاليم بحرى وقبلى مدن من الجيل الثالث والرابع ومحاور تربط شرق النيل بغربه.
وحلا لمشكلة الإسكان للطبقات الوسطى الصغيرة، أعلن الرئيس خطة خطة لتقديم 100 ألف شقة بالإيجار التمويلى، لتوفير وحدات للشباب فى بداية حياتهم، بل إن الرئيس أثناء افتتاح سكن الموظفين فى العاصمة الإدارية، أشار إلى أن الدولة ستواصل الدخول للبناء والعمران من أجل خلق توازن فى سوق العقارات، ودائمًا يدعو الرئيس السيسى القطاع الخاص للعمل والمشاركة مع الالتزام بالقانون.
والواقع أن هذه الحلول التى تدخل فيها الدولة تعالج أزمات وتراكمات تسبب فيها ابتعاد الدولة عن ضبط سوق العقارات، وتتظيم البناء ووقف التدهور الذى أصاب العمران من خلال خطط تقدم فيها الدولة الجزء الأكبر.