نلقى الضوء على كتاب "مسارات تكوين القادة الدينيين فى أوروبا: الأئمة والمرشدات فى هولندا وبلجيكا والدنمارك" الصادر عن مركز المسبار للدراسات.
ويلاحظ أنّ الدراسات الأكاديمية المعالجة للظواهر المرتبطة بالإسلام فى أوروبا، تتفرّع على مسارات أكاديمية متعددة، ولكنّ أغلبها ينطلق من فرضيّة اغترابيّة الدين عن الواقع الأوروبى، فيُنظَر إلى الإسلام باعتباره ديناً مهاجرًا لأرضٍ جديدة، وأن جيل "المهاجرين/المسافرين" الأوّل يتفاعل مع مجتمعٍ أصلى، بطريقةٍ تختلف عن الجيل الثانى والثالث! فيظهر ذلك فى الهويّة والارتباط بالأرض الأم، وأنماط التفكير المتصارعة. وتتكثف التحديات فى ملف المهاجرين، فى مدى تقبّل فكرة الاندماج فى شكل المجتمع الأوروبى وقيمه ودولته، والتخلّى عن بعض أشكال الهويّة التمايزية. وفى هذه النقطة تظهر حاجة لمساومات معرفية وثقافية واجتماعية، تفضى إلى الاضطرار المتوهم لاختيار جماعةٍ تمثّل "الهوية التمايزية المتفاوضة"، فتبرز الجماعات الإسلاموية حينها، ممثلاً للتفاوض المزعوم. وبقى ملف صناعة الفاعلين فى الأوساط التفاوضية، قضيّةً غامضة، فآلية اختيار الأئمة؛ والمفتين، ورجال الدين، أُخضعت لعمليةٍ ترفض تدخّل الدولة، ولا تنفك عن أسر التنظيمات العابرة.
الأئمة
كانت أدوار الفاعلين الدينيين مربكةً للحكومات الأوروبية. يمكن فرزهم على فئات؛ الأولى للمفتين اليوميين: وهم من فنيى صناعة الرأى الدينى فى المسائل اليومية الحياتية؛ والفئة الثانية من الذين يفكون المستعصى من المسائل الفقهية النازلة وهم "العلماء"، والطبقة الثالثة من المرشدين الروحيين من رجال التربية والتصوف أو ما يكافئه؛ والطبقة الرابعة من المرشدين والأئمة، خصوصاً الوعّاظ ومؤدى الطقوس اليومية والجنائز. تمثّل الفئة الرابعة؛ محلّ الدراسة، الحلقة التى قدّرت المشاريع الأوروبية، جعلها مساوية لرجل الدين فى السياق المسيحي! فمنحتها سلطته الروحية، وعلى هذا الافتراض نشأت برامج لتدريب الأئمة ومنحهم صفات المرشدين الدينيين فى السجون والمستشفيات.
افترعت الدول الأوروبية، كل وفق سياقه، برامج لتدريب الأئمة وتوطينهم وفق سياق الدولة، فى مشاريع متباينة، اختارت دراسات هذا الكتاب منها: الأنموذج الهولندى الأكاديمى وتطبيقاته، والأنموذج البلجيكى الذى سعى لتلبية الاحتياجات الاجتماعية فى السجون والمستشفيات والمؤسسات العقابية، وحتى فى القوات النظاميّة.
تناول الكتاب تدريب المرشدات الروحيات المسلمات، وناقش إدارة مؤسسات الإمامة والإرشاد فى بلجيكا، ومساعى تأسيس (فرنسي- بلجيكي) للمعهد الأوروبى لدراسات الإسلام -يستفيد من العلوم الاجتماعية والإنسانية- لتأهيل الأئمة، كما تضمّن الكتاب التجربة الدنماركية التى قدمها رائد من روّاد دراسة الإسلام فى الغرب، وهو نيلز فالدِمار فيندنغ (Niels ValdemarVinding)، تتبع محاولة الدولة إسقاط تجربة الكنيسة بوصفها مؤسسةً؛ على المجتمع المسلم الفاقد للمؤسسيّة الدينية الهرمية؛ كما سعى لفهم التمايزات الإثنية. وبقدر ما أظهر الكتاب التأثير الرسمى للإسلام التركى (ديانت)، على القومية التركية فى المهجر الأوروبي، إلا أنّه عكس وجود جماعات موازية مثل السليمانية، الملتفة حول رجل الدين التركى سليمان حلمى طوناخان (Süleyman Hilmi Tunahan) (1888 – 1959)، المحسوب على سعيد النورسى (1878 – 1960).
أُولى دراسات الكتاب، قدّمت توصيفًا للبرامج الأوروبية لتكوين الأئمة الهادفة إلى توطينها، بدأتها بالأنموذج الهولندى الذى استهل النقاش حول تأهيل الأئمة منذ العام 1982 فى إطار لجنة "واردينبيرج، التى أوصت بتدريب الأئمة فى بلدان المسلمين الأصليّة، ثم نشأت بعدها بعقدين محاولات لتسريع العمل فى مؤسسات جامعية تكوّن الأئمة فى هولندا، إلا أنّها تعثّرت، ولم يستو الإيمان بتوطينها إلا بدفع من الحوادث الإرهابية التى ربطت بين التطرف وبعض الوعّاظ. ولكنّ عملية تدخل الدولة فى توطين التدريب والتكدير، كان تحت سؤال واسع: هل يحق للدولة تدريبهم، أم إن ذلك سيخل بالفصل بين الدين والدولة؟ ترصدت الدراسة مبادرات بلجيكية إثر ذلك، وأبرزها مبادرة جامعة لوفين الكاثوليكي(CatholicUniversityofLeuven)، منذ 2006، والتى تعاونت مع هيئة تنفيذية للمسلمين، ثم خبا التعاون قبل أن يُبعث من جديد بعد هجمات 22 مارس 2016.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة