الحديث عن الصراعات الإعلامية والتدخلات المعلوماتية والتضليل ليس ضربا من الخيال، لكنه واقع ربما تكشفه بشكل مؤكد الحرب الدعائية الدائرة بين أطراف الصراع العالمى فى أوكرانيا، حيث يتبادل الطرفان الروسى والغربى الاتهامات، ويخوض كل طرف حربا واسعة لكسب العقول والقلوب.
هذه الحرب التى تدور فى أوكرانيا يمتد صداها إلى كل أوروبا، هى حرب على الأرض، ترافقها حملات دعائية فى السماوات المفتوحة، تستهدف القلوب والعقول يحرص كل طرف على كسبها، وبجانب ما فرضته الولايات المتحدة وأوروبا من عقوبات وحصار اقتصادى ضد روسيا، امتدت الحرب إلى الإعلام والصحف والفضائيات وأدوات التواصل مثل جوجل وفيس بوك وتويتر وغيرها، فى بداية الحرب أوقف «فيس بوك» خدماته فى بعض مناطق روسيا، وأوقفت أبل خدماتها لبعض التطبيقات بعد وقف إنتاج وتوزيع الموبايلات الأبل فى روسيا.
موسكو ردت بوقف مواقع التواصل، فيما بدا إدخالا لشركات التكنولوجيا إلى الصراع، حيث أصبحت شركات مثل جوجل وفيس بوك وتويتر طرفا فى الحرب، ومعها البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى.
تبادل الإعلام الاتهامات بالانحياز، مبكرا طرحت BBC سؤالا: هل تشن موسكو حربا دعائية ضد كييف؟ وردت موسكو بنفس السؤال متهمة الغرب بمنع قنوات ومواقع روسية فيما يعد مخالفة لادعاءات حرية الرأى، واتهمت الهيئة البريطانية ومعها قنوات غربية مثل CNN، ودويتشه فيله، بالانحياز وتغييب المعلومات وممارسة التضليل.
وفى عام 2016 أثناء وبعد الانتخابات الأمريكية اتهمت بعض المؤسسات الأمريكية مثل وزارة العدل وأجهزة الأمن، روسيا بتوظيف قنواتها مثل روسيا اليوم وسبوتنيك فى الحرب الإعلامية، وردت روسيا بالإشارة إلى قنوات ومحطات فضائية أمريكية شهيرة ومنها «سى إن إن» بالتلاعب ونشر تقارير معدلة وموجهة.
الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين، تتصارع بالصور وتتبادل الاتهامات بالتدخل فى تشكيل الرأى العام، ومن الطبيعى أن تفرض حروب عصر العولمة نفسها وتغير من أشكال الصراعات، والحرب الدعائية هى انعكاس لصراع على النفوذ والثروات والفرص والمصالح.
إذا كان هذا هو حال الدول الكبرى، فإن امتلاك منصات إعلامية وقنوات إخبارية ومواقع تعمل بقواعد مهنية أمر تفرضه تطورات عولمة الإعلام والسياسة.
على مدى 9 سنوات تعرضت الدولة المصرية لملايين الشائعات والحملات فى الاقتصاد والسياسة والأسعار والتعليم والصحة، ونجحت فى تخطيها، وبالتالى فإن هناك محاولات محلية من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تتعلق بالتوعية والوعى، من خلال مشروعات إعلامية وثقافية، وآخرها قناة «القاهرة الإخبارية»، وتسعى لأن يكون دور الإعلام توضيح وتبسيط الأفكار والمعلومات للمواطنين غير المتخصصين وعدم تركهم لماكينة التشكيك، لتكون الحقيقة قادرة على الوصول لمستحقيها، من دون تهوين أو تهويل.
من هنا فإن امتلاك قنوات إخبارية محلية وإقليمية أصبح ضرورة، فى سياق معركة الوعى والتنافس على كسب العقول، وفيما يتعلق بمصر فإن الدولة على مدى 9 سنوات تواجه تنظيما من الخصوم، يتجاوزون فى حربهم المحلية إلى حملات تضليل واسعة، تستهدف كل جانب فى الدولة، والواقع أن التهديد الحقيقى ربما لا يكون فقط من الشائعات، أو المعلومات المزعومة، ولكن فى التلاعب بالمعلومات الحقيقية واستخدام نصف المعلومة أو الخبر، وإعادة بثه بشكل موجه، بهدف التشويش أو التداخل والخلط، وما نسميه «الأخبار المغسولة»، حيث يتم اقتطاع جزء من المعلومة ويلتقطها البعض بحسن نية أو من دون، ويعيدون بثها ويحللونها ليوصلوا المتابعين إلى نتائج محددة.
وقد أشرنا إلى نقاشات فرضت نفسها فى خطاب ومناقشات وزراء الإعلام العرب، ومنتديات إعلامية وسياسية، حول إمكانية تدعيم المحتوى الإعلامى ليجد مكانه بين زحام البث، وكيفية ضمان حريات للنشر، مع آليات لمواجهة المعلومات المغلوطة، فى وقت تتسع فيه منصات تطلق محتويات وأفكارا، تتجاوز الأدوات التقليدية للإعلام، وزحف منصات تصنع وتسوق أفكارا وتعيد صياغة الوعى، وتتطلب تعاملا مختلفا، يقوم على جمع الجهود وتنسيقها، لبناء مجالات تفتح الباب لتداول الرأى، والنقاش وخلق حالة حوار، تسمح بتوسيع التفاعل، ودعم المحتوى الجاد.
امتلاك منصات إعلامية ضرورة تفرض أن تكون قادرة على تقديم تغطية محلية تجذب الجمهور، وأيضا تستطيع مخاطبة الآخر، وهو ما نتوقع أن تقدمه «القاهرة الإخبارية» وقوة مصر الناعمة بما يناسب العصر، ويتناسب مع ما تمتلكه مصر من قدرات وكوادر.