لا يزال اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل يلقى صدى واسعا بين الأوساط الإقليمية والدولية، وله الكثير من التبعات، فيما ينظر له لبنان على أنه فرصة حقيقية للخروج من أزماته الاقتصادية الخانقة.
وهذا ما أكده الرئيس اللبنانى ميشال عون، لافتا إلى أن الأمر من شأنه أن يحمل نتائج إيجابية كبيرة على الاستقرار فى لبنان، إضافة إلى انطلاق عملية النهوض بالأوضاع الاقتصادية الصعبة فى الوقت الراهن، مشيرا إلى أن المهم الآن هو أن يتم التوقيع على المستندات اللازمة لإتمام الاتفاق، وفق ما تم التوصل إليه، لكى تبدأ عمليات الحفر واستخراج النفط والغاز.
الاستفادة من النفط
من جانبه، علق الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون، على الاتفاق مشيرا إلى أهمية الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل، موضحا أن فرنسا ساهمت فى التوصل للاتفاق بشكل متواضع، معتبرا أنه يشكل خبرا سارا للبنان وللمنطقة بأسرها وسيتيح المجال للإفادة من كميات كبرى من النفط والغاز.
وشدد الرئيس اللبنانى على أن لبنان وشعبه يعوّلان كثيرا على فرنسا لحسن تطبيق التزامات الاتفاق والإفادة منه على مختلف الصعد، فيما اعتبرالرئيس الفرنسى أن الاتفاق يشكل فرصة لتحقيق الاستقرار فى لبنان والمنطقة، مؤكدا أن فرنسا ستعمل على تطبيق الاتفاق، لا سيما مع "توتال" .
وتطرق الرئيسان عون وماكرون، خلال الاتصال، إلى الظروف الحالية التى يجتازها لبنان، فأكد الرئيس اللبنانى أنه سيواصل سعيه من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة لبلوغ التعافي، خصوصا مواصلة التدقيق الجنائى حتى بلوغ خواتيمه، وصولا إلى إقرار قانون تعديلات السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وأنه سيعمل حتى اللحظة الأخيرة من ولايته على المحافظة على استقرار لبنان، واحترام الاستحقاقات الدستورية، معربا عن أمنيته فى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وتفادى أى فراغ رئاسي.
وأشار الرئيس الفرنسى إلى أن فرنسا ترغب أيضا فى أن يتم احترام مسار الاستحقاقات الدستورية، فى مواعيدها، مشيرا إلى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية هو أمر سيادى للبنان وبمثابة أولوية دستورية يجب احترامها، مؤكدا دعمه لبنان للتوصل إلى اتفاق نهائى مع البنك الدولي، إضافة إلى تأمين الأمن الغذائى له من خلال المنظمات والهيئات الدولية ذات الصلة.
وكان الرئيس ميشال عون قد أعلن مؤخرا نجاح جهود الوساطة التى قام بها آموس هوكشتين والتى أفضت إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، بما يسمح للبنان ببدء التنقيب عن الغاز والبترول فى مياهه الخالصة.
وكشف عن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التى أعدها الوسيط الأمريكى لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأن هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة.
ملف الترسيم
واستعرض الرئيس عون المراحل التى قطعها مسار ملف الترسيم منذ العام 2010 وحتى اليوم، مع كل العقبات والصعوبات المحلية والخارجية التى واجهته، والعراقيل التى وضعت فى وجهه لأسباب سياسية، وقال "من خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التى أثبتت أنها عنصر قوة للبنان، ساهمتم فى تحصين الموقف اللبنانى فى التفاوض، كما فى المواجهة، وحقـقـتـم هذا الإنجاز، لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه."، مشيراً إلى أنه بالتزامن، كان على لبنان أن يفعّل عملية ترسيم حدوده البحرية لا سيما الجنوبية منها، وتصحيح أخطاء وقعت فى الترسيم مع قبرص.
وأضاف "إن من حق لبنان أن يعتبر ما تحقق بالأمس إنجازاً تاريخياً، لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أى كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أى تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل فى مياهنا. كذلك لم تمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذى استحدثته إسرائيل بعد انسحابها من أراضينا فى العام 2000، ولم يقم أى تطبيع مع إسرائيل، ولم تعقد أى محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها".
بنود الاتفاق
تشمل بنود الاتفاق كيفية حل أى خلافات فى المستقبل، أو فى حال ظهور أى مكمن نفطى آخر مشترك على جانبى الحدود، ما يضفى طمأنينة وشعورا أقوى بالاستقرار على طرفى الحدود، وقال "بتنا قادرين اليوم، بعدما استعـدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التى نأمل أن تعيش فى زمن أفضل من الزمن الذى عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادى الذى يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن".
وبموجب الاتفاق، أصبح "حقل كاريش" بشكل كامل، فى الجانب الإسرائيلي. فى المقابل، يضمن الاتفاق للبنان السيطرة على "حقل قانا"، الذى يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل المنطقة رقم 9، حيث يقع حقل قانا، نقطة رئيسية للتنقيب، من قبل شركتى توتال وإيني، اللتين حصلتا عام 2018 على عقود للتنقيب عن النفط والغاز.
وهناك رسوم ستدفع من قبل لبنان لإسرائيل مقابل أى غاز يستخرج من الجانب الإسرائيلي، لحقل قانا، فيما أشار مسؤولون لبنانيون إلى أن شركتى التنقيب ستدفعان هذه الرسوم.
وسيترك "خط العوامات" قائما كحدود بحرية فعلية بين لبنان وإسرائيل. وكانت إسرائيل قد ثبتت هذا الخط، بعد انسحابها من لبنان عام 2000. ويبلغ طول "خط العوامات" ثلاثة أميال، ويمتد من ساحل رأس الناقورة إلى البحر المتوسط.
رغم الإعلان عن الاتفاق، إلا أنه لم يحصل بعد على الموافقات النهائية. وقد يحتاج ذلك إلى أسابيع، تتولى بعدها الولايات المتحدة تبادل النصوص النهائية بين الطرفين.