"القفة أم ودنين بيشيلوها اتنين"، مثل شعبى شهير، لكنه كان دستوراً نسمعه من حين لآخر من جدتنا التى تجاوزت الـ 60 عاما، والتى كانت عندما تعلمنا شيئا نحن أحفادها كانت تدعمه بمثال قوى لكى نتماسك ونقوى ببعضنا البعض بالرغم من أن أعمارنا فى هذه الفترة لم تتجاوز الـ 10 سنوات، فكانت هذه الصفة عنواناً لنشأتنا، فلا أحد منا يطلب شيئا من الآخر إلا ونفذه فوراً عن طيب خاطر، أتذكر أنها دائماً كانت تحثنا على الابتسام حتى وإن غضبنا من بعضنا أثناء اللهو، أتذكر ضحكتها معنا عندما نشكو إليها والدموع تغمرنا ونجدها تقول بمنتهى الحكمة وبكلمات تناسب عقل الأطفال أننا كيان واحد لا يجب أن نترك المشكلات التافهة تأخذنا لطريق الصدام، بل كان لها طريقة مبهرة لجعل الشىء الذى كنا نتشاجر عليه ينقسم علينا ونتشارك فيه بل ونعاون بعضنا لإتمام لعبتنا بمنتهى المرح سوياً، بل ونتسارع لحل أى أزمة بيننا حتى تتم لعبتنا بنجاح.
زمن لم يكن فيه مشكلات أو أزمات، فلا يلبث وقتاً إلا وأن تحل هذه الأزمة، خاصة الأزمات المالية منها، فكيف لهذه السيدة الحكيمة إدارة مشكلة يصعب على الرجال حلها ؟ وكيف تساعد المتعثر دون وضعه فى خانة المديون أو وضع حمل عليه؟، أتذكر أيضاً عند محادثاتها مع الجيران والأحباب لجمع أنفار الجمعية لتزويج فلان أو لفك ضيق علان، كانت تدرس كل فرد وكأنها تعيش مشكلاته وتوزع هذه الجميعة وترتبها حسب حاجة كل منهم، كان أمراً طبيعياً بالنسبة لها، وفطرياً لدرجة كبيرة، فهذه السيدة التى لم تتعلم القراءة والكتابة كانت مبهرة فى حساب الأرقام وترتيب الأحق بوضعه أولاً ثم ترك من يريد استثمار أمواله الضئيلة ويضعها معها فى "تحويشة" لأخذها فى الدور الأخير.
كانت جدتى إدارية ماهرة لا يغضب أحد منها، تطيب الخاطر وتجبر المحتاج دون قول كلمة واحدة تعبر عن أنها صاحبة فضل كبير، فلا تحاول أن تتصرف وكأنها تعرف كل شيء حتى لا تجرح أحد بإبراز مشكلته، ولكنها حاولت دائمًا تقديم يد المساعدة على قدر استطاعتها، وكانت قادرة على لم شمل هذه العائلة بأشياء بسيطة لكن لها أبعاد قوية جعلت الجميع فى حالة ترابط حتى الآن، استمرت سيرتها العطرة حتى يومنا هذا، فكلما اجتمعنا أو مرر أحد بمشكلة نجدنا جميعاً نتذكر جدتى التى كان دائماً لديها الحل الأمثل والأسرع والمرضي، ولا أخفيكم سراً فنحن سائرون على العهد الذى تركته لنا، متمسكون بـ"القفة" التى يمكننا كلنا حملها ونزع ألم الحوجة أو العوز عن بعضنا البعض، ترابط جعل الصغير قبل الكبير يتبارى لحل أزمة أخيه، ولو نظرنا من بعيد نجدها حلولاً ليست بالمستحيلة.
لا تخون القريبين منك، سيقدر لك أحباؤك أكثر فأكثر إذا بقيت مخلصًا، ملتزمون بالأشخاص الذين نحبهم فى السراء والضراء، الأمر الذى ممكننا على المضى قدمًا فى الجزء الصعب فى علاقتنا وحياتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة