في ربط بين الماضي القريب والمستقبل الواعد للمصرين في هذه المرحلة الحرجة الملبدة بغيوم الأزمة الاقتصادية، جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ختام المؤتمر الاقتصادي عنوانا واضحا وصريحا للحقيقة، ولعل أهمية هذه الكلمة تكمن في كونها خارطة طريق للمستقبل.
وجاءت انعكاسا لإحساسه بنبض الشارع، وما تواجهه الدولة من تحديات كبيرة، وقد حملت في طياتها عددا من الرسائل المهمة، وتضمنت عناصر نجاح الدولة المصرية، كما أنها ترسخ للعدالة فى الجمهورية الجديدة في ضوء الحجم الكبير من الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية.
لقد تحدث بشفافية ووضوح للمصريين، وتطرق لجميع الملفات التى تهم المواطنين، وكذلك حجم المشكلات التي كانت موجوده في جسد الاقتصاد المصرى، والتي تعد بمثابة مشكلات غير تقليدية ومركبة، ولا يمكن حلها إلا بأدوات وسياسات غير تقليدية تتميز بالوعى والابتكار وفى فترة زمنية قصيرة، ما يؤكد أن المؤتمر الاقتصادى وضع خارطة طريق لمستقبل الاقتصاد المصرى بكل قطاعاته، وحلولا عاجلة لقطاع الصناعة الذى يعتبر قاطرة التنمية الاقتصادية، ودائما ما يؤكد الرئيس على أن القطاع الخاص شريك فى عملية التنمية، وأمامه فرص استثماريه كبيرة فى جميع القطاعات.
وبقراءة متأنية لكلمة الرئيس سوف أركز على أهم النقاط التي لفتت نظري في حديث المكاشفة، فقد أكد الرئيس في حديث ذو شجون وشئون على عدة نقاط مهمة في تشريحه الدقيق للحالة الاقتصادية في مصر، والتي حتما ترتبط بالحالة الاقتصادية العالمية، حيث لفت أنظار المتابعين لوقائع المؤتمر سواء داخل القاعة أو عبر الشاشات بتحذيره من تصدير صورة غير صحيحة للاقتصاد المصري، مشيرا إلى أنه بالتأكيد يرفض جميع المصريين الترويج لصورة سيئة عن اقتصاد بلادهم، خاصة أنه قد حقق إنجازات كبيرة للغاية وغير مسبوقة خلال السنوات الماضية، لاسيما أن الدولة المصرية مهتمة للغاية بمشاركته داخل النشاط الاقتصادي وتوفير كافة الحوافز والضمانات له.
أعجبني الرئيس في تحليله للأوضاع القائمة في مصر وضرورة الحوار حاليا بقوله: (إن الموضوعات الخاصة بالبيئة السياسية في مصر والمنطقة والإقليم مرتبطة بالاقتصاد وكل المقترحات التي طرحت في المؤتمر يمكن لأي طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن يتحدث فيها، لافتا إلى أن الحوار الوطني الذي انطلق في شهر أبريل الماضي كان يستهدف أن نسمع بعضنا البعض رغم الاختلاف وطرح كل القضايا لنتحدث فيها سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الثقافة أو الإعلام أو الدين، مشيرا إلى أن الكثير تصور أن الموضوع سياسة - ولا بأس أنها تبقى كذلك - ولكن الهدف أن نسمع بعضنا البعض أكثر في ظل الظروف والتحديات فى العالم وفى بلادنا، وأن نبقى على الأقل في تواصل حتى رغم الاختلاف).
كما أكد الرئيس السيسي على ضرورة قراءة الواقع في المنطقة والممارسات في بلدنا من خلال إعادة فهم عصري للتعامل مع المتغيرات والتحديات، وقال: (إنه عندما تحدثت عن الطلاق وأنه يجب أن يكون موثقا ومكتوبا لحماية حقوق الناس طرح الموضوع على لجنة علمية متخصصة ووافق عليه نسبة كبيرة من أعضائها، بينما لم يوافق عليه البعض)، وأضاف: (أتفق معكم على أن يعقد المؤتمر الاقتصادي كل عام، ونحن حريصون منذ 5 سنوات أو أكثر على عمل منصة حوار وكنا نقول إن هذا المؤتمر هو مؤتمر الشباب وسيتم تناول قضايا الدولة كلها فيه وليست قضية شباب فقط، بل القضايا الاقتصادية والثقافية والفكرية، ونجحنا في عمل هذا المؤتمر بشكل أو بآخر في المحافظات ثم قمنا بعمله سنويا على مستوى العالم، ولم نستطع تكملته بنفس المستوى الذي كنا نتمناه، بسبب جائحة كورونا).
وبحس المسئول عن هذا الوطن وحمايته من التحديات الصعبة، نبه الرئيس إلى أهمية التكاتف بين الجميع (الحكومة - الشعب - المؤسسات - رجال الأعمال)، وقال: (البلد دي بتاعتنا كلنا)، وأكد ضرورة تكاتف الجميع، وقال: (عاوزين البلد تطلع لقدام.. لازم كلنا نحشد ونشتغل)، وعلق على أهمية المؤتمر الاقتصادي قائلا: خلونا نتقابل ونتكلم.. وكل واحد يقول اللي عنده، وتضمنت الكلمة أهم الرسائل وهى: الشكر المتكرر إلى الله (سبحانه وتعالي) في حفظه مصر، وقال: (كرم ربنا على مصر فوق الخيال)، وأضاف (أوجه الحكومة بعدم تحميل المواطن أي أعباء إضافية خلال الفترة المقبلة، وأعرف أن المرتبات منخفضة، ووجهت الحكومة بالعمل على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، والتأكيد على ضرورة توفير فرص عمل للمواطنين في كل مكان وكل مناطق الدولة، والعمل والسعي المستمر لتحقيق مستوى معيشة الفئات الأكثر احتياجا.
وبإيمان عميق ويقين راسخ بأهمية النقاش والحوار، دعا الرئيس السيسي إلى فتح مجال النقاش بهذه القضية، معلقا: (يبقى افتح المجال لنقاش حتى لـ (اللى بيقول) لأ مفيش.. قال عنك من ألف سنة إن ما فيش.. ولابد من الفهم والنقاش الدينى المتعمق)، وأضاف: (المفروض إن بفضلك يارب يبقى التجربة والمسار عبارة عن نموذج للناس بتعيش وبتتكلم مع بعض ازاى؟.. نسمع وييجى فى التليفزيون يقول كده؟ أيوه يقول كلام مش لطيف؟ ما يقول مش رأيه.. يبقى لينا كلنا.. محتاجين نكمل على اللى احنا بنعمله ونسمع من غير تأفف للآخر، اللى هما مهتمين فى الإسلام والمسيحية ويرد عليهم متخصصون فى كل شيء سواء مؤسسات دينية ومفكرين متخصصين.. يبقى فيه قضايا محطوطة بعينها لهذا النقاش).
وتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى عن علاقته بالله، قائلا: (حد بيقولى أنت بتتكلم كتير عن ربنا ليه.. ربنا حبيبى وغالى عليا.. وأنا اللى شايف عمل إيه معاكم.. وأنتوا ممكن تكونوا شايفين.. بس أنا شايف أكثر.. والله والله والله كرم ربنا على مصر فوق الخيال)، وتطرق في حديثه عن أدبيات وثقافة البعد البيئ للدين، قائلا: (أنا والله العظيم لا أقصد أى حاجة علشان محدش يزعل.. كنا بنتكلم على أهمية تصويب وإصلاح الخطاب الدينى، فمرة قلت يا جماعة الواقع اللى بنشوفه فى منطقتنا والفهم والممارسات الدينية اللى موجودة فى بلدنا محتاجة إعادة طرح فهم عصرى، ليس فى ثوابت الدين، ولكن لفقه يتعامل مع المتغيرات والتحديات فى كل مجتمع بس).
وشملت كلمة الرئيس السيسي، الكثير من المحاور المهمة، ومنها التوصية بانعقاد المؤتمر الاقتصادي، ودعوته لعقد فعاليات أخرى للمؤتمر الاقتصادي في الملفات الأخرى، موجها بأن يكون المؤتمر الاقتصادى منصة اقتصادية مستقرة تلتقى كل سنة، مضيفا: (نقول كشف حساب، وأنا كحكومة وقيادة يجيلى دوريات كل 3 شهور بالإنجاز اللى إحنا بنحققه ..معملناش الحوار ده علشان نستهلك وقت وجهدكم وجهدنا وبعدين خلاص.. لا، الفعاليات اللى اتعملت والكلام اللى اتقال محترم مقدر، وملتزمون بتنفيذ التوصيات اللى تم التوافق عليها.. طيب لو الحكومة قابلت مشاكل وأكيد هتقابل، لابد يكون آليات المؤتمر مستقرة ومؤسسية وتكون موجودة مع الحكومة بشكل مستمر..علشان وإحنا متحركين في تنفيذ التوصيات قابلتنا مشكلة نتكلم فيها..المرة الجاية أريد شباب هنا ويتهمونا ويزعقولنا، قول وإحنا ندافع، فهذا حقهم علينا بدل ما يزعقولنا فى الشارع).
إن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بانعقاد المؤتمر الاقتصادى سنويا وتنفيذ مخرجات المؤتمر، دليل على حرص القيادة السياسية على تنفيذ جميع التوصيات، والبدء الفورى بوضع التشريعات اللازمة لتنفيذ تلك التوصيات، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية وعدم تحميل المواطن أية أعباء إضافية خلال الفترة القادمة، والعمل المستمر لتحسين مستوى معيشة الفئات الأكثر فقرا، وتوفير فرص عمل للمواطنين فى كل مناطق الدولة، ولعل توصيات المؤتمر تعكس حرص الدولة على إصلاح قطاع الصناعة، وزيادة معدلات النمو الاقتصادى خلال المرحلة القادمة، وتفعيل برامج رد الأعباء التصديرية، وتعزيز دور مبادرة (إبدأ) لدعم القطاع الصناعى، وتفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى، الذى يساهم فى تعزيز المنتج فى المشروعات القومية للدولة، وتحويل المناطق الصناعية إلى مدن سكنية متكاملة لتقليل تكلفة انتقال العاملين.
ويأتي عقد المؤتمر الاقتصادي سنويا ليمثل نقطة ارتكاز تستند عليها الدولة من أجل بناء مستقبل أفضل، في إشارة إلي أن مصر بكافة كوادرها ومؤسساتها وقيادتها السياسية تعمل من أجل دعم المواطن وتخفيف عنه اعباء الحياة من خلال جذب استثمارات جديدة وتشجيع مستثمرين جدد لدخول السوق المصرية بما يخلق حالة من الثقة في اقتصاد الدولة وتوفير المناخ الآمن في الاستثمار وإزالة كافة العقبات التي تقف في وجه أي جهود تبذل من اجل الخروج من المأزق الراهن الناجم عن تداعيات وأزمات عالمية بما يساهم في الارتقاء بالاقتصاد المصري.
وظني أن التوصيات الناتجة عن المؤتمر الاقتصادي خاصة المرتبطة بعملية توطين الصناعة بالإضافة إلي فتح الباب لمشاركة القطاع الخاص هو ما سيعمل علي دفع عجلة الاقتصاد، وزيادة معدل النمو الاقتصادى خلال المرحلة القادمة، وأعتقد أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسى تستطيع تخطي كافة العقبات والمشكلات التي تواجه الدولة في ظل الأزمات العالمية، ولعل من أهم التوصيات التي خرج بها المؤتمر وأكد عليها الرئيس، تضمنت تعزيز دور القطاع الخاص، ودعم المصنعين والمصدرين، كما أن الحكومة قررت إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية فى غضون 60 يوما استجابة لمطالب المصنعين والمصدرين، بالإضافة إلى رد ضريبة الدخل للصناعات الاستراتيجية بنسبة 55 % خلال 45 يوما، وذلك لعدد من القطاعات الاستراتيجية والصناعية، بالإضافة إلى تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى فى العقود الحكومية وتجهيز المرحلة الجديدة من رد أعباء التصدير بواقع 5.5 مليار جنيه، وهو ما سيسهل عمل هذه القطاعات خلال الفترة المقبلة، ويجعلها قادرة على النمو وسد احتياجات السوق.
جاءت الكلمة التي تعد من أقوى الخطابات التي ألقاها الرئيس تاريخية، حيث شملت شرح واف لتوضح كيف يفكر قائد الوطن في بناء الأمة، كما أنها عكست العرفان بالجميل لله أولا وللقوات المسلحة فيما قدمته للوطن خلال الفترة الماضية وسط تقاعس بعض الجهات وتقصير منها في عمليات التنفيذ، جاءت في توقيت له دلالته ووصلت إلى الأطراف المعنية خاصة رجال المال والأعمال والصناعة، وتضمنت خريطة طريق حقيقية للمستقبل بما يعزز فرص الاستثمار وتوطين الصناعة خريطة طريق شاملة تقوم على مسارات ومحاور متوازية، إلى جانب مسارات الإصلاح الاقتصادي.
الكلمة عكست التطبيق العملي والناجح لما يتبعه الرئيس السيسي في التفكير خارج الصندوق، بمبادرات ولادة للتغلب على ضعف الإمكانات لمواجهة التحديات، كما أنها أوضحت أسلوب القرار الذي يتبعه والذي يعتمد على الشمولية والتي تبنى على الدراسات وما سبقت لكل القرارات التي اخذت، ومراعاة طبيعة الشعب والظروف المحلية والإقليمية، ومن ثم حملت في طياتها كثير من المكاشفة في صور رسائل لكافة أطراف وأطياف المجتمع المصري من أجل رسم خارطة طريق تنشد الخروج من الأزمة الاقتصادية وطمئنة كل المصريين على مستقبل الأجيال القادمة، وقد شملت الكلمة كل معاني المصداقية والصراحة.
وكانت الكلمة بمثابة كلمة من أب إلى شعبه العظيم، وحملت وعيا وشرحا مستفيضا لكل محدثات ما يدور حولنا، منوها بما يحدث على أرض مصر من تنمية مستدامة وتطوير في كافة المجالات على مستوى الجمهورية، وكله يتم في توقيت واحد يفوق كل قدرات أي إنسان في عصره.. فتحية تقدير واحترام لرجل أفنى عمرة في خدمة هذا الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة