مؤكد أن توقيت عقد القمة العربية في غاية الأهمية، في ظل الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية جراء ما حدث بسبب جائحة كورونا 2020 و2021، وما يحدث الآن جراء الحرب الروسية الأوكرانية، خلاف امتداد الصراع وتناميه في مناطق كثيرة، خاصة في إقليمنا العربى، وما يدور الآن في ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلى ما يتطلب ضرورة تعزيز العمل العربى المشترك وإعادة هيكلته من جديد، نظرا للأوضاع المستجدة، خاصة فيما يتعلق بتنامى الصراع في عدد من الدول العربية وشبح الأمن الغذائي.
فهل يختلف أحد على ضرورة العمل على بناء تكتل اقتصادى عربى قوى خلال المرحلة المقبلة عبر سياسات التكامل الصناعى، وتبادل الخبرات، وذلك لحماية حقوق الشعوب العربية فى تحقيق التنمية الاقتصادية وحماية المواطن العربى من التداعيات السلبية جراء التأثيرات السلبية للاضطرابات الاقتصادية وموجة التضخم الشرسة بسسب الأزمة الروسية الأوكرانية؟
وأعتقد أن الوطن العربى يمتلك من الإمكانيات والقدرات الاقتصادية والطاقة والموارد البشرية، والموارد الطبيعية ما يٌمكنه من حدوث هذا التكامل الاقتصادى المنشود وتعزيز العمل المشترك المأمول، فقط الأمر يحتاج إلى إرادة عربية موحدة، وما أحوجنا إلى هذه الإرادة الآن في ظل هذه الأخطار التي تُحاصر منطقتنا بالكامل، وما أحوجنا إلى هذه الإرادة الموحدة في ظل الخطر الوجودى للبشرية ألا وهو تغير المناخ الذى بات يهدد الدولة النامية رغم أنها ليست المسبب لهذه الظاهرة لكنها للأسف هى من تدفع فاتورة أنانية العالم الصناعى وعدم الوفاء بتعهداته وقيامه بمسئولياته تجاه هذه الظاهرة رغم أنه المتسبب الأول في هذا الخطر.
فلو أردنا أن نعطى نموذجا لأهمية التكامل الاقتصادى العربى، فهناك نموذج قديم وآخر نحن بصدده الآن، أما القديم، فهو نموذج الاتحاد الأوروبى الذى بدأ بفكرة إنشاء تجمع اقتصادى للفحم والصلب بين عدد من دول الاتحاد، ثم النجاح التوسع في هذا التجمع وإيجاد عملة موحدة وهى "اليورو" ثم الانتقال إلى مستوى أعلى نتيجة نجاحات متتالية، بالعمل على إيجاد سوق تجارية موحدة ليتسابق الكل للانضمام ليتطلب الأمر قوة تحمى هذه المصالح فيأتى تحالف "الناتو" كقوة عسكرية للحماية والردع، أما النموذج الآخر الذى نحن بصدده هو الشراكة التكاملية الصناعية بين الإمارات ومصر والأردن والبحرين، والتي تعد أولى خطوات تحقيق تكامل صناعي عربي، بداية من توحيد الموارد والقدرات التنافسية وتحويلها إلى صناعات ذات قيمة مضافة للاقتصادات الوطنية في دول الشراكة، والتي تمتلك قوة شرائية وبشرية كبيرة تقدر بنحو 122 مليون نسمة.
وانطلاقا من هذه الرؤية وذلك الحلم، فإن الآمال معقودة على حشد الإمكانيات العربية لمجابهة الأوضاع المستجدة والمتغيرات المتعاقبة، خاصة فيما يتعلق بتأمين الأمن الغذائى العربى، والعمل على إنهاء تمدد الصراع من خلال الحوار السياسى الشامل، والتعامل مع الظواهر المناخية، خاصة أنه لا يُمكن معالجة هذه القضايا سوى برؤية تكاملية ومستقبلية، لذلك ، أعتقد أن الفرصة سانحة الآن في ظل حالة الاستقطاب العالمية الحادثة الآن جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك وجود فرص ذات قيمة مضافة، منها استضافة مصر قمة المناخ cop 27، فى شرم الشيخ، وفى العام القادم تستضيف الإمارات قمة المناخ ما يمنح العالم العربى فُرصة مهمة لطرح مواقفه وقضاياه وشواغله ليس فقط حيال قضية المناخ، ولكن أيضًا ما يرتبط بها من استدامة النمو وإنتاج الغذاء والطاقة، خلاف الاستفادة من اكتشاف العالم لازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولى، والتي ظهرت بشكل فج بعد تعاطيه مع الأزمة الأوكرانية خلاف تعاطيه مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على سبيل المثال، فعند الأزمة الأوكرانية انتفض وعقد جلسات طارئة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، واتخاذ قرارات وعقوبات صارمة وحاسمة، أما تعاطيه مع الصرع الفلسطيني فقد مر عليه أكثر من 70 عاما، ولا حياة لمن تنادى لتنفيذ قرارات مجلس الأمن أو حتى توصيات الأمم المتحدة أو توجيه إدانات من قبل المجتمع الدولى لإسرائيل، وكذلك تعاطيه مع ملفات أخرى في سوريا ودول أخرى أفريقية.
لذلك.. فإن فرصة المنافسة الدولية فى المنطقة العربية مرهونة بالقدرة على تحقيق أكبر قدر من التكامل الاقتصادى وتعزيز العمل المشترك، وهو ما يتطلب المزيد من التعاون فى المرحلة المقبلة لحماية المواطن العربى من التهديدات والأخطار القادمة..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة