تلعب الكتابة الأوروبية والأدب الأوروبى على الاهتمام بالتفاصيل والتركيز على الذات إذ يمكن اعتبار هذين المكونين النسيج الأساسى للسردية الأوروبية وهو ما اهتمت به أنى ارنو الفائزة بجائزة نوبل مؤخرا فلقد اهتمت بتفاصيل التفاصيل فى رواياتها بدءا من المكان التى ترجمت إلى العربية فى مرحلة مبكرة بالنسبة للزمن المتوقع لتحويل الرواية من اللغة الفرنسية إلى العربية فقد صدت الترجمة العربية فى الثمانينات.
الاهتمام بالعمق الإنسانى بمعنى ايجاد صيغة للتنوير الداخلى للإنسان بما ينطوى عليه ذلك كم الكشف العميق للإنسان من الداخل ومدى كثافة مكونه الإنسانى أو هشاشته مع التركيز على الهشاشة هو ما دأبت آنى إرنو على حياكته كنسيج لم يفلت من يديها أبدا فى مفرداته بل صاغت منه الحليات.
وتعد السيرة الذاتية هى المحور الرئيس لأعمالها كما هو شأن الأدب الأوروبى إذ لا يرغب الإنسان الأوروبي عموما فى الخروج من الذات إلى العالم بل فى الهروب من العالم إلى الذات، إلى الكينونة البشرية وينطبق ذلك بشكل أكبر على الأدب النسوى الأوروبى وهو ما برعت فيه آنى ارنو.
وتتوغل الروائية الفرنسية آني إرنو في روايتها "المكان" إلى عالم خاص، تنتمي إليه روحيا وماديا على الرغم مما تظهره في أسطر الرواية من التذمر والتمرد على هذا العالم الذي تسبب لها بنوع من الصراع الداخلي الذي انعكس على علاقتها مع أقرب الناس إليها: والديها.
هكذا إذا، ومن خلال مشروع الكتابة المتمثل بهذه الرواية تحاول الكاتبة إيجاد نوع من التوازن وربما نوع من التصالح مع ذاتها يتجلى في فكرة تراود مخيلتها، سواء بوعي منها أو بغير إدراك، وهذه الفكرة تكمن في محاولة رد الاعتبار إلى عائلتها، خاصة والدها، الإنسان البسيط الذي بذل كل ما في وسعه كي تستطيع تلك الفتاة أن تشق طريقها في الحياة، في المجمل، رواية المكان تشكل مع أعمال أخرى لإيرنو مشروع كتابة بامتياز يؤسس لكتابة السيرة الذاتية للكاتبة وفي الوقت نفسه محطة مهمة من محطات الطموح الاجتماعي الذي أسهم في أن تقفز به الكاتبة إلى الطبقة البورجوازية التي لطالما حلمت بالانتماء إليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة