رأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ "كوب 27"، الذى أُختتم فعالياته فى مصر أمس الأحد تمكن من إحراز قدر ملحوظ من التقدم فى مواجهة الاشتباكات الجيوسياسية. إذ وضع المفاوضون العالميون هيكلا للمحادثات والالتزامات بما يمثل أفضل فرصة للحد من الدمار المناخى.
وقالت الصحيفة -في مقال افتتاحي أوردته عبر موقعها الاليكتروني اليوم الإثنين- إن التاريخ الحديث لدبلوماسية المناخ حافل بالاشتباكات الجيوسياسية، والعهود الرائعة التي لم يتم الوفاء بها وعلى الرغم من كل ذلك تمكن مؤتمر المناخ في مصر من إحراز التقدم.
وأضافت الصحيفة أنه خلال مؤتمر الأمم المتحدة الكبير للمناخ في شرم الشيخ، بمصر قام المفاوضون بتجاوز موعدهم النهائي، وذلك وسط انتشار تكهنات بأن المحادثات ستنهار، غير أن المندوبين خرجوا باتفاق اللحظة الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذا يترك سببا يدعو للقلق بشأن مستقبل عملية الأمم المتحدة بأكملها.
وذكرت الصحيفة، أن المشاركة الدولية بشأن تغير المناخ تتم على مستويين متفاعلين. إذ تجتمع الأمم المتحدة بانتظام مع ممثلي العالم للتفاوض حول كيفية معالجة المشكلة العالمية، وذلك في المقام الأول من خلال الالتزامات الطوعية التي تقدمها الدول في المحادثات. وفي غضون ذلك، ينخرط اللاعبون الكبار مثل الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مجموعات منفصلة من المفاوضات لبناء ثقة مهمة بشأن أنه ما إذا تحركت الدول بشأن المناخ، فلن تقوم بذلك بمفردها.
وأشارت واشنطن بوست إلى أنه في عام 2015، كشف المفاوضون عن ما يُعرف باتفاقية باريس والتي لم تُلزم البلدان بحصص انبعاثات محددة ولكنها أوجدت نظاما تجتمع فيه الدول بانتظام وتبلغ عن انبعاثاتها وتلتزم بالتخفيضات الطوعية والضغط على بعضها البعض للقيام بعمل أفضل. .و نجحت مفاوضات باريس إلى حد كبير لأن الولايات المتحدة والصين -اللتين تشكلان معا ما يقرب من نصف انبعاثات الاحتباس الحراري على كوكب الأرض- قد اتفقتا مسبقا على تخفيضات كبيرة بأنفسهما، مما أدى إلى اتفاق أوسع. وينص اتفاق باريس على دورات منتظمة من الطموح المتزايد؛ وفي العام الماضي كان من المتوقع أن تزيد البلدان تعهداتها بخفض الانبعاثات؛ في العام المقبل ، سيقومون بإجراء "جرد" لقياس المدى الذي وصلوا إليه.
وأوضحت الصحيفة أنه من الناحية النظرية، سيكون الدافع هو ضغط الأقران: إذ ستفي البلدان بالتزامات انبعاثات كبيرة لتجنب الشعور بالخزي في مؤتمر المناخ المقبل. أما على الصعيد العملي، يشير النقاد إلى أن العالم لا يزال متخلفا كثيرا عما يوصي به العلماء.
لكن قبل مؤتمر باريس ، كان العالم بعيدا عن المسار. فقد تراوحت تقديرات الاحتباس الحراري في المستقبل بين 3.5 درجة مئوية وأعلى. وقد لا يبدو اختلاف 0.7 درجة كثرًا ،غير أن كل عُشر درجة أقل تتحقق، تترجم إلى كميات لا تُحصى من المعاناة التي يتم تجنبها. وخلص تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيصل إلى حوالي 2.4 درجة مئوية إذا أوفت الدول بتعهداتها الحالية في اتفاقية باريس - و 1.8 درجة مئوية إذا حققت أهدافا أكثر طموحا على المدى الطويل.
ونوهت الصحيفة بأن هذا التقدم جاء بشكل جزئي لأن مفاوضي المناخ قد أحبطوا الخلافات المستمرة بين الدول الغنية والفقيرة التي من شأنها أن تهدد في كثير من الأحيان بعرقلة عملية الأمم المتحدة. وفي مصر هذا العام، ضغطت الدول الفقيرة -التي تتحمل العبء الأكبر من آثار تغير المناخ ولكنها غير مسؤولة عمليا عن أي من الانبعاثات المسببة له- على الدول الغنية للحصول على التعويض. وعلى الرغم من أن لديهم حجة أخلاقية جيدة، إلا أن الحقيقة هي أن خطة التعويضات المناخية سيكون من المستحيل تمريرها من خلال الكونجرس والهيئات التشريعية الأخرى للدول المتقدمة - لا سيما إذا كان ذلك يعني بشكل ضمني أن الدول الغنية ستقبل عمليا مسؤولية قانونية غير محدودة عن الأضرار المناخية في الخارج.
ورأت الصحيفة أن البلدان الغنية بالفعل مقصرة في الوفاء بالتزامها السابق بإنفاق 100 مليار دولار سنويا لمساعدة البلدان الفقيرة على كبح جماح الانبعاثات التي تتسبب فيها والتكيف مع تغير المناخ. ولا شك في أنه ينبغي عليهم إنفاق المزيد والاستفادة من هذه الأموال لجذب الأموال الخاصة - على سبيل المثال، من خلال الاستثمار بما يكفي في مشاريع طاقة نظيفة محددة بحيث يجتذبون مستثمرين من القطاع الخاص لتقديم البقية.
لكن نجاح عملية الأمم المتحدة لن يعتمد على ما إذا كانت قد توصلت إلى حل دقيق لما يبدو أنه نزاع غير قابل للحل في الوقت الحالي حول من يدين لمن بماذا. ومن الأهمية بمكان ألا تعرقل مثل هذه الصراعات الخطوات نحو الهدف الأسمى: ألا وهو وهو خفض الانبعاثات التي تؤجج الأزمة.
ولهذا السبب ربما حدث أهم تطور في مكافحة المناخ الأسبوع الماضي على بعد 6000 ميل من مصر. حيث التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج وجها لوجه في مؤتمر مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، واتفقا على استئناف محادثات المناخ المتوقفة بين الولايات المتحدة والصين. من بين أمور أخرى، وتعد هذه الانفراجة بتحفيز العمل على التوصل لاتفاقية لخفض انبعاثات الميثان، وهو عامل شديد الفعالية في الاحتباس.
واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها قائلة إن دبلوماسية المناخ قد تكون محبطة -حيث تعقد سلسلة من المؤتمرات تحتدم فيها المناقشات المكثفة حول وضع الفواصل في الوثائق الرسمية. لكن لحسن الحظ كانت الصورة الكبيرة، صورة للتقدم - ولكن لا ينبغي للعالم أن يأخذها كأمر مسلم به وعليه الاستمرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة