بينما تقترب الحرب فى أوكرانيا من دخول شهرها التاسع، تستمر الأزمة العالمية وتتواصل التقارير المتشائمة بخصوص أزمة متصاعدة، لا يمكن إخفاؤها أو إنكار تأثيراتها، معروضة بتفاصيلها، حيث تتفاعل تداعيات حرب أوكرانيا، وتخلف تأثيرات كبيرة فى أسواق وإمدادات الغاز والطاقة والمزيد من الركود وارتفاعات الأسعار، خاصة للغذاء، ومع استمرار الحرب وعدم وجود آفاق للحل أو توقفها، تستمر تفاعلات وانعكاسات الحرب وتأثيراتها على أوروبا ودول العالم، ويتواصل التمرد داخل أوروبا على استمرار المواقف الأوروبية فى الصف الأمريكى، باعتبار الولايات المتحدة هى الرابح الأكبر فى هذا الصراع على حساب أوروبا.
ولهذا أعلن وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، الجمعة الماضى، أن الولايات المتحدة هى المتهم الأكبر فى التباطؤ الاقتصادى بأوروبا، وأنها تستفيد من الركود الاقتصادى فى الاتحاد الأوروبى، وقال «إن أزمة الركود فى أوروبا تعد أخبارا جيدة للاقتصاد الأمريكى»، وقبل ذلك قال أوربان «إن الاتحاد الأوروبى يدفع أكثر من خمس إلى عشر مرات لموارد الطاقة الأمريكية، بدلا من العودة إلى الإمدادات الروسية الرخيصة».
وترى بعض الأصوات فى أوروبا، أن القارة والاتحاد يدفعان ثمن صراع لصالح أمريكا، وأن الولايات المتحدة لا تدعم أوروبا تجاه انعكاسات الأزمة، بل إن هناك رؤية صينية طرحتها صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية، بأن الولايات المتحدة هى الدولة الأكثر استفادة من الحرب الروسية - الأوكرانية، لأنها تبيع المزيد من الغاز وبأسعار أعلى، كما تبيع المزيد من الأسلحة، ولا تلتفت إلى انعكاسات الأزمة على الاقتصادات الأوروبية.
هذه السياسة الأمريكية التى تجمع بين البراجماتية والتجاهل أثارت غضب كبار المسؤولين فى بروكسل وعواصم الاتحاد الأوروبى، إذ قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون «إن أسعار الغاز المرتفعة فى الولايات المتحدة ليست «ودية»، ودعا وزير الاقتصاد الألمانى واشنطن لإظهار المزيد من «التضامن» والمساعدة فى خفض تكاليف الطاقة، بينما وزراء ودبلوماسيون عبروا عن إحباطهم من تجاهل حكومة بايدن لتأثير سياساتها الاقتصادية على الحلفاء الأوروبيين، متهمين واشنطن بـ«التربح» من وراء الأزمة الأوكرانية، فى وقت يهدد فيه الهجوم الروسى على أوكرانيا بتفكيك «الوحدة الغربية».
يأتى هذا بينما يرسم صندوق النقد الدولى التوقعات الاقتصادية العالمية، ويقول إنها ستكون أكثر كآبة بسبب تشديد السياسة النقدية الناجم عن استمرار التضخم المرتفع والواسع النطاق، واستمرار الخلل فى الإمدادات وانعدام الأمن الغذائى الناتج عن الحرب الروسية فى أوكرانيا، متوقعا أن يلحق تفاقم أزمة الطاقة فى أوروبا ضررا بالغا فى النمو سيرفع التضخم، الذى إن تواصل ارتفاعه فقد يؤدى إلى زيادات أكبر فى سياسة أسعار الفائدة وزيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية.
بينما يرى رئيس وكالة الطاقة العالمية فاتح بيرول، إن أوروبا ستمر خلال هذا الشتاء ببعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتعثر هنا وهناك، نتيجة لجهودها للتخلى عن الغاز الروسى وتضاعف تكاليف الطاقة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، مشيرا خلال ندوة عن الطاقة فى برلين، إلى أن إمدادات الغاز الروسى إلى أوروبا، قد تتوقف بشكل كامل العام المقبل، ويتوقع معهد التمويل الدولى، فى تقرير له، أن الاقتصاد العالمى سيكون «ضعيفا» العام المقبل، مثلما كان عليه فى 2009 عقب الأزمة المالية العالمية، بسبب مخاطر تحول الصراع فى أوكرانيا إلى «حرب طويلة»، وغياب أى أفق للحل أو وقف الحرب، وهو ما قد يحمل المزيد من المخاطر ويضاعف الخوف والانقسامات داخل أوروبا تجاه مواقف الاتحاد من الحرب.
وافترض معهد التمويل الدولى أن استمرار الحرب حتى عام 2024، خاصة أن هذا الصراع يعد وجوديا بالنسبة إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، قد يقود أوروبا لمزيد من التباطؤ الاقتصادى لأنها أكثر القارات المتأثرة بالأزمة الروسية - الأوكرانية.
الحرب الروسية - الأوكرانية فرضت نفسها على قمة العشرين، لأنها تسببت فى أزمة طاقة فى العديد من دول العالم، على رأسها الاتحاد الأوروبى، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم عالميا، وتباطؤ معدلات النمو، وأزمة الغذاء فى عدد من دول العالم، وارتفاع أسعار السلع الغذائية بعد وقف تصدير المنتجات من روسيا وأوكرانيا، وارتفع التضخم فى عدد من دول العشرين إلى معدلات غير مسبوقة منذ عقود، وصل إلى 8.2 % خلال سبتمبر فى الولايات المتحدة، و10 % فى المملكة المتحدة، 5.6 % فى فرنسا، و10.7 % فى الهند، و5.9 % فى إندونيسيا، وهو ما انعكس على الأسعار وحياة الناس فى هذه الدول، وبالطبع فى دول العالم والاقتصادات الناشئة.
ويتوقع محللون أنه فى حال استمرار الأزمة، ومعاناة أوروبا، قد يضاعف من الانقسامات تجاه الحرب، خاصة أن الولايات المتحدة هى الرابح الأكبر حتى الآن، وهو ما يضاعف من محاولات قبول دعوات وقف الحرب بأى ثمن، لتجاوز كل هذه الخسائر.