كانت الساعة السابعة والنصف صباح 5 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1956 حين حدثت عملية إنزال جوى لجنود مظلات إنجليز فى غرب مطار بورسعيد، واستطاع البطل الفدائى محمد مهران، وزملاؤه من السرية الثانية بالكتيبة الأولى «حرس وطنى» قتالهم أشد قتال، وسقط جريحا زميل كفاحه البطل زكريا محمد أحمد، حسبما يذكر «مهران» فى كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد عام 1956» إعداد، ضياء الدين حسن القاضى.
كان العدوان الثلاثى «بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل» يواصل عدوانه منذ أن بدأت إسرائيل بغارة جوية ضد مصر يوم 29 أكتوبر 1956، وكانت المقاومة الفدائية فى بورسعيد تقدم أروع تضحياتها، وكانت قصة محمد مهران، أحد العناوين العظيمة لهذه التضحيات.
يسرد «مهران» قصته للكاتب الصحفى محمد الشافعى، فى كتابه «شموس فى سماء الوطن.. أبطال المقاومة الشعبية فى مدن القناة»، قائلا، إنه قبل التوقيع على اتفاقية جلاء الاحتلال الإنجليزى عن مصر فى أكتوبر 1954 التحق مع شباب مدينة بورسعيد بمعسكر فتحته القوات المسلحة للتدريب على العمل الفدائى تحت اسم «فدائيو حرس وطنى بورسعيد».
يؤكد: «انفجر العمل الفدائى الجاد والقوى، وتحت ضغطه تم توقيع اتفاقية الجلاء، وبعدها صدرت لنا الأوامر من قيادتنا فى القاهرة بالاستمرار فى العمل الفدائى، لمزيد من الضغط على القوات الإنجليزية فى بورسعيد، ما أدى إلى انسحابها قبل موعدها، وفى 18 يونيو 1956 تم انسحاب آخر جندى إنجليزى من مصر، وكان ذلك من ميناء بورسعيد، ليكون جلاء الإنجليز من نفس المكان الذى دخلوا منه عام 1882.
يذكر «مهران» أنه فى 26 يوليو 1956 أعلن عبدالناصر قراره بتأميم قناة السويس، وفى اليوم التالى 27 يوليو 1956 تم استدعاء فدائى بورسعيد، وتشكلت الكتيبة الأولى لفدائى حرس وطنى بورسعيد، يكشف: «كان لى عظيم الشرف فى أن أكون قائدا للسرية الثانية من الكتيبة الأولى وتم تكليفى بالدفاع عن مطار بورسعيد وطريق بورسعيد الشمالى الغربى، وكوبرى الجميل الذى يصل بورسعيد بدمياط».
يتذكر مهران بطولة سريته ضد الإنزال الجوى البريطانى يوم 5 نوفمبر 1956 الذى تم فى النطاق الجغرافى المكلف بحراسته التى تتكون من 72 فردا منهم 64 فدائيا، والباقى طاقمان من مدافع «الفيكرز آى»، يؤكد أن قوة الإنزال كانت مهولة، وبالرغم من ذلك استطعنا قتل أعداد كبيرة منهم.
يكشف أنه أثناء الاشتباك معهم، قذف قنبلتين وارتمى فى حفرة ومعه رشاش، وانعدمت الرؤية بينه وبينهم من جميع الجهات، وفتح نيران الرشاش عليهم، فأصاب ضابطا إنجليزيا، انفجرت منه الدماء، ثم أصيب هو إصابة سطحية فى رأسه فأغمى عليه، وسحبوه من الحفرة وجردوه من سلاحه، وبعد أن ارتد وعيه إليه وجه الجنود الإنجليز السباب لمصر ورئيسها جمال عبدالناصر فرد عليهم، ثم تشكلت على الفور محكمة عسكرية له، أبلغته بقرارها، قائلة: «لدينا ضابط أصيب بنيران مدفعك مما أفقده عينيه، وهو على قيد الحياة، وحكمنا عليك بنزع عينيك لنزرعها له».
بالفعل تم نقل «مهران» بطائرة إلى قبرص لإجراء العملية فى أحد المستشفيات البريطانية، ويروى أسرار هذه اللحظات الصعبة، قائلا لضياء القاضى: «حضر الطبيب البريطانى المكلف بإجراء العملية، وأخذ يساومنى فى ترك إحدى عينى مقابل الإدلاء بحديث إذاعى يمثل فشل السياسة المصرية، وأن الشعب البورسعيدى استقبل القوات البريطانية بحفاوة بالغة فرفضت».
يؤكد «مهران»، أنه إزاء تصميمه على موقفه تم نقله إلى غرفة العمليات، وكان آخر ما التقطته عيناه صور ثلاث أطباء وممرضين، وشخصا فوق منضدة مغطى بملاءة بيضاء، وأجريت العملية البشعة له، وقبلها: «قال لى الطبيب: لتكون عبرة للمصريين أمثالك.. فكان ردى عليه: اقتلع عينى وأنتم دولة عظمى ولم ترحمونى لكنكم، لن تستطيعوا انتزاع ذرة واحدة من وطنيتى ولن تنالوا من حبى لمصر».
بعد ارتكاب هذه الجريمة أعيد «مهران» إلى بورسعيد، ووضعوه فى مستشفى «ديلفراند»، غير أن مفاجأة كبيرة كانت فى انتظاره يكشف عنها قائلا: «بعد يومين همست فى أذنى ممرضة مصرية، قائلة: «الفدائيون سيأتون لأخذك»، وبعدها جاء من يقول له: «حمد لله على السلامة»، قالها من جاء لتهريبه خارج المستشفى ملفوفا بالبطاطين.
وصل «مهران» إلى القاهرة فى قطار المصابين، ودخل مستشفى العجوزة تحت رعاية طبية رفيعة، ويتذكر: «فى صباح أحد الأيام، سمعت صوتا مميزا جدا، يقول: «أنا، أنا يا بطل»، فوجئت بأنه جمال عبدالناصر، فشعرت بأن بصرى عاد، عانقنى وقبلته بشدة وفرح، وطلب منى أن أسلم على عبدالحكيم عامر وبعض قيادات الثورة، وجلس بجوارى على السرير، وطلب منى أن أحكى له كل ما حدث لى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة