عادل السنهورى

مصر وأمريكا وأفريقيا الجديدة

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 07:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أمريكا تحاول أن تستعيد ما فقدته في أفريقيا بعد الغياب الطويل. 8 سنوات مرت على أول قمة أفريقية أمريكية في واشنطن عام 2014، جرت فيها أحداث كثيرة وتغيرت أمور كثيرة أيضا.
 
الوجود أو التمدد الروسي -الصيني في القارة السمراء بات واضحا خلال تلك الفترة في ظل غياب أمريكي واضح، وازدهرت العلاقات الصينية الروسية مع أفريقيا وزاد حجم الاستثمارات والتجارة البينية والمشروعات والمنح والمساعدات. الوعود الأمريكية منذ القمة الأولى لم تنفذ، وانقطع التواصل أو انخفضت درجته.
عام 2014، في القمة الأولى وعد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بتخصيص 37 مليار دولار في هيئة استثمارات وقروض لدعم مجال قدرات الطاقة الكهربائية، التي لا تزال تنقصها الإمدادات في القارة، وتمويل قطاعي الصحة والأدوية.
 
آخر زيارة لرئيس أمريكي للقارة السمراء كانت لأوباما عام 2009 للعاصمة الغانية أكرا، في نهايتها وجه خطابه من منصة البرلمان الغاني إلى الشعوب الأفريقية. كانت المرة الأولى التي يقر فيها رئيس أمريكي باستقلالية دول القارة حتى ولو كان نوع من المغازلة وإذكاء الروح القومية.
 
 قال باراك للشعوب الأفريقية:" إن مستقبل أفريقيا بين يدي الأفارقة. ملامح القرن الحالي ستتشكل ليس فقط في عواصم الغرب بل أيضا في أفريقيا»، وأن «الغرب تعامل مع أفريقيا على أنها مصدر أساسي للمواد الأولية لصناعته، لكنه ليس مسئولا عن انهيار اقتصادات القارة أو تجنيد الأطفال في حروبها».
أوباما كان يدرك جيدا أن روسيا والصين لهما علاقات تاريخية مع دول القارة، وأن العدوتين اللدودتين "كسبتا ولاء الحكومات الأفريقية" واعترف أوباما في خطابه أن «الديمقراطية ليست هي الانتخابات فحسب، بل هي كيف يعيش الناس".
 
حاول أوباما خلال فترتي رئاسته تخفيض منسوب الصراعات بين بلاده وخصومها التقليديين، وفي ذات الوقت مضى في طريق التمدد وبسط النفوذ الأمريكي في مناطق كانت هدفا للقوى الدولية التي تسعى إلى مناطحة بلاده، واستخدم في ذلك سياسة «التكيف والاحتواء".
 
استهدف أوباما القارة الأفريقية باعتبارها «قارة المستقبل» التي يتنافس عليها كل خصوم أمريكا، واستغل الرئيس الأمريكي الأسبق أصوله الأفريقية لاستمالة حكومات القارة السمراء وربطها بالسياسات والمصالح الأمريكية، في محاولة لتطويق التغلغل الصيني والروسي في القارة.
 
من هنا جاءت دعوة أوباما لقادة وزعماء القارة قبل انقضاء فترة ولايته الثانية إلى عقد القمة الأمريكية -الأفريقية الأولى في واشنطن عام 2014 .
المصالح الأمريكية في أفريقيا هددتها طوال تلك الفترة التواجد والتوسع الروسي والصيني، إلى جانب أطراف إقليمية أخرى من خارج القارة، فبعد رحيل أوباما وتسلم دونالد ترامب مقاليد منصبه في البيت الأبيض . الرئيس الجديد لم يبد أي اهتمام بأفريقيا ولم يزرها من قبل، فضلا عن أنه رفع شعار «أمريكا أولا» الذي عزل بلاده عن العديد من مساحات نفوذها.
 
تجاهل ترامب للقارة السمراء، منح خصومه مساحات جديدة للتمدد، فتحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري للدول الأفريقية، بينما صارت روسيا أكبر مصدر للسلاح إلى القارة. 
 
الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا على مدى 13 عاما متتالية منذ عام 2009، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 207 مليارات دولار أمريكي خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 5ر37%. فيما بلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا 59.2 مليار دولار أمريكي، كما وجهت الصين نحو 45% من مساعداتها الخارجية خلال الفترة من عام 2013 إلى عام 2018، والتي بلغ إجماليها 270 مليار يوان – حوالي 58.6 مليار دولار- إلى دول أفريقية في شكل منح وقروض بدون فوائد وقروض ميسرة. وبحلول نهاية عام 2020، تجاوزت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في أفريقيا 43 مليار دولار أمريكي. ووفرت أكثر من 3500 شركة صينية في جميع أنحاء القارة بشكل مباشر وغير مباشر ملايين الوظائف.
 
روسيا وعلى الطريقة الصينية عقدت أول قمة روسية - أفريقية في منطقة سوتشي على ضفاف البحر الأسود في نهاية أكتوبر 2019. كان من الواضح أن موسكو تسعى من خلالها لاستعادة الماضي الذي كان وبصورة أكثر قوة في القمة، يعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن مشروعات استثمارية بمليارات الدولارات في عدد من الدول الأفريقية، وظهر أنه مهتم بالفعل بمجالات المستقبل هناك مع أنه لم يقم سوى بثلاث زيارات لجنوب القارة طوال عشرين سنة من حكمه.
لم تتوقف وعود بوتين عند حدود الاستثمارات المالية، بل تجاوزها إلى التعاون الدفاعي العسكري والأمني، والأول يهم غالبية إن لم يكن معظم الدول السمراء، انطلاقاً من أن جيوش بعضها في طور التكوين، والبعض الآخر قد تهالكت أسلحته والكثير منها روسي ويعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والثاني موصول بمحاربة الإرهاب، خاصة  أن القارة الأفريقية أصبحت منطقة جاذبة لجماعات وتنظيمات العنف المسلح، وخاصة تنظيمي داعش والقاعدة.
 
ورغم وجود علاقات سياسية قوية بين روسيا ودول أفريقيا، فإن حجم التبادل التجاري ما زال دون المستوى المطلوب ولا يناسب مستوى الشراكة والعلاقات التاريخية. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول الأفريقية ورسيا 61 مليار دولار فقط.
 
نأتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بلغ حجم التجارة البينية بين واشنطن ودول القارة السمراء في العام الماضي 64.3مليار دولار وهو ما يمثل 2% من حجم التجارة الأمريكية مع دول العالم.- أي أقل كثيرا من الصين ومساويا تقريبا مع روسيا- وتقدم واشنطن مساعدات بقيمة 13 مليار دولار للقارة السمراء سنويا. ويبلغ حجم الاستثمار الأمريكي المباشر في أفريقيا 43.2 مليار دولار- أقل بكثير من الصين.
 
الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن أدركت متأخرا خطأ ما فعلته بالابتعاد قليلا عن أفريقيا، رغم عدم زيارة بايدن لدول القارة حتى الآن. لذلك دعا إلى القمة الأمريكية الأفريقية الثانية بعد غياب دام 8 سنوات بعد زيارة في أغسطس الماضي لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن الى عدد من عواصم الدول الأفريقية، شملت جنوب أفريقيا والكونجو الديمقراطية ورواندا بهدف التصدي للتمدد الروسي الصيني في القارة، وذلك بعد فترة وجيزة من جولة أفريقية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
 
العودة الأمريكية من خلال القمة الحالية إلى أفريقيا ربما يراها المراقبون عودة في ظروف مغايرة . فقد مرت سنوات كثيرة وجرت في السياسة الأفريقية ومواقفها مياه أكثر. أفريقيا بعد 2014 تختلف كثيرا عن أفريقيا ما قبل ذلك.
 
مؤخرا أدركت واشنطن ذلك بعد رفض دول القارة السمراء الانحياز لأي طرف في الأزمة الأوكرانية الروسية، واختار عدد كبير من دول القارة الحياد وعدم التصويت ضد روسيا في المحافل الدولية فيما يخص الأزمة الأوكرانية، وهو ما أشعر الإدارة الأمريكية بخيبة أمل.
 
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل يسبقه بخطوات،  فأفريقيا باتت متمردة ولم تعد تقنع أو ترضى بدور الفريسة في دراما السياسة الدولية وخاصة مع عودة الدور المصري من جديد الى مكانته في القارة السمراء، وصعود هذا الدور إلى القيادة والريادة مرة أخرى، وصعود قوى اقتصادية أفريقية. 
 
مصر ومنذ 2014  تولي القارة الأفريقية اهتماما خاصا في سياساتها الخارجية، حيث سعت القيادة السياسية المصرية عقب ثورة 30 يونيو إلى استعادة الدور المصري في القارة السمراء، وتجلى ذلك في زيارات رئاسية للرئيس السيسي تعدت الثلاثين زيارة لدول أفريقيا وعقد لقاءات تجاوزت الـ 150 لقاء مع قادة ومسئولي أفريقيا، ونتج عن ذلك وانطلاقا من الارتباط التاريخي وما يربط مصر بأفريقيا من وحدة الهدف في الماضي ومقاومة الاستعمار والتحرر الوطني. أصبحت مصر عبر قائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي المنصة  المعبرة أمام كافة الفعاليات الدولية واللقاءات بين الدول الكبرى وأفريقيا عن طموحات وآمال القارة السمراء والقضايا والصعوبات والتحديات التي تواجه دولها خاصة قضايا الإرهاب والفقر والتصحر والرعاية الصحية والأمن الغذائي وضمان حياة ومستقبل أفضل لأبناء القارة، اعتمادا على الشراكات والمصالح الاستراتيجية المشتركة بين دول القارة والعالم الخارجي.
 
السياسة المصرية تمكنت فيما يمكن تسميته "بإيقاظ الروح القومية الأفريقية" ، والتأكيد الدائم منذ القمة الأفريقية الأمريكية الأولى في عام 2014 على أن افريقيا لها طموحات كبيرة في النهوض والتنمية المستقلة ومواجهة تحديات القارة بإرادة أبنائها وإقامة علاقات متوازنة مع المجتمع الدولي والقوى السياسية والاقتصادية الكبرى فيه على أساس المصالح المشتركة بين الجانبين. 
 
من هنا يأتي تركيز الرئيس السيسي في كلمته خلال أعمال القمة على الموضوعات التي تهم الدول الأفريقية في ظل التحديات العالمية القائمة، وتعزيز الشراكة الأفريقية الأمريكية لمواجهة أزمة الأمن الغذائي، وتيسير اندماج الدول الأفريقية فى الاقتصاد العالمى، لاستفادتها مما يوفره من فرص ومزايا فى تحقيق النمو الاقتصادي، ونقل التكنولوجيا ودفع حركة الاستثمار الأجنبي.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة