أرسلت «نظارة الداخلية» لجنة إلى كل بيوت قادة الثورة العرابية السبع الذين كانوا فى السجن، ينتظرون مغادرة مصر إلى المنفى بجزيرة سيلان، ذهبت «اللجنة» بغرض ظاهرى وهو عمل جرد للمحتويات فيها، حسبما يؤكد المحامى الإنجليزى «برودلى» والذى تولى مهمة الدفاع عن أحمد عرابى وزملائه أمام المحكمة العسكرية التى تشكلت بقرار من الخديو توفيق.
يكشف «برودلى» فى كتابه «كيف دافعنا عن عرابى وصحبه» ترجمة، عبدالحميد سالم، أن اللجنة ذهبت لعملها يوم 16 ديسمبر 1882، وكان ذلك فى اليوم التالى لتعيين حراس أتراك وجراكسة على البيوت التى تقطنها أسر هؤلاء القادة المسجونين، وبعد صدور قرار من الخديو بمصادرة أملاك المنفيين السبعة، واعتبارهم مدنيا أمواتا ولا يحق لهم أن يرثوا، والسبعة هم أحمد عرابى، على فهمى، يعقوب سامى، محمود سامى البارودى، محمود فهمى، عبدالعال حلمى، طلبة عصمت.
انتهكت هذه اللجنة قداسة الحريم، واقتحمت خلوة النساء بصورة وقحة، بوصف «برودلى»، مؤكدًا أنه فى ساعة مبكرة جدًًا من يوم 17 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1882 تلقى خطابين عن هذه الانتهاكات، الأول من أحمد عرابى، والثانى من على فهمى، ووقع الاثنان على الخطابين بتاريخ 16 ديسمبر.
كتب أحمد عرابى فى خطابه: «جناب المحب المحترم المستر برودلى المحامى عنى: بلغنى أنه صار وضع عساكر على منزلنا ومنع أفراد العائلة من الدخول والخروج بقصد المحافظة على موجودات المنزل، وحيث إن المنزل الذى به عائلتى هو بالإيجار وليس لى بيت فى مصر ولا غيرها، وأن جميع موجودات القصر ومفروشاته ملك حرمنا ولا يكن عندها شىء خلاف ملبوسات بدنى، فنرجوكم إعلان الحكومة بذلك وفك الحجز عن ملك حرمنا».
أما «على فهمى» فكتب فى خطابه: «أبلغنى خدمى أن الحراس الذين أرسلهم مدير ضبطية البوليس دخلوا منزلنا وصمموا على أن يبقوا فيه، حيث إن المنزل المذكور وجميع موجوداته ومفروشاته ملك حرمنا، لأنه كان مهرها عندما تزوجتها من حريم إسماعيل باشا.. سيدى: نرجوكم أن تعملوا على حمايتنا من هذا الظلم البالغ».
كان المحامى الثانى مع برودلى إنجليزيًا أيضًا، واسمه «نابير» وذهب على أثر الخطابين إلى سجن الدائرة السنية ليهدئ من قلق المسجونين، فى حين أخذت زوجته التى حضرت من إنجلترا إلى مصر لتكون بجانبه أثناء هذه القضية على عاتقها مهمة مواساة السيدات، وبحث «برودلى» عن «إسماعيل أيوب» ناظر الداخلية، وبعد كثير من النقاش حصل على وعد بانصراف كل الحراس من بيوتات المسجونين سوى حارس واحد، وأن لا يسمح باقتحام المبنى ذاته بأية صورة من الصور، وأن الأشخاص الداخلين أو الخارجين منه يجب ألا يتعرضوا لإهانة التفتيش الشخصى.
رغم هذا الوعد إلا أن الأمور صارت أسوأ، ويوضحها «برودلى»: «تلقى مستر نابير رسالة من زوجته تخبره فيها أن «اثنين من المدنيين» وبعض الجنود دخلوا منزل «على فهمى» وشاهدوا كل غرفة فيه، بل ورأوا السيدات وهن غير مرتديات النقاب»، وحسب الرسالة، فإن زوجة نابير طلبت من زوجها وبرودلى الحضور إلى منزل على فهمى فورًا، لأنها غير متأكدة إذا كان الحراس عند باب المنزل سيسمحون لها بالخروج أم لا، غير أن حدثًا مفاجئًا للجميع وقع كانت زوجة على فهمى هى بطلته، وأدى إلى تغيير الموقف كاملًا.
يذكر «برودلى» هذا الموقف قائلًا: «قبل أن نصل إلى هناك حدث حادث جديد، ذلك أن الخديو توفيق كان معتادًا أن يمر بباب منزل على فهمى كل يوم ظهرًا فى طريقه من المقر الرسمى فى عابدين إلى قصره فى ضاحية الإسماعيلية، فلما اقتحم رجال البوليس المنزل جن جنون الزوجة من هول ما حدث، وانتظرت مرور الخديو، فلما ظهرت عربته اندفعت بلا نقاب على وجهها حاسرة الرأس إلى الشارع حاملة أصغر أطفالها بين ذراعيها وهى تصيح: «يا توفيق، لقد أهنت امرأة من حريم أبيك، هل نسيت أننى قبل أن أصبح زوجة لعلى فهمى، كنت فى حريم إسماعيل؟، أما الآن فأنا مهانة وبلا نقاب كما ترى، إن العار عليك كما هو على أنا».
أذهل الحدث الجميع، وحسب برودلى: «تمت إعادة السيدة برفق خلال حديقة الياسمين وأشجار البرتقال إلى دارها، وفى اليوم التالى غير «توفيق» طريقه ولم يعد يزعج زوجة «على فهمى» أحد بعد ذلك على الإطلاق».. يضيف «برودلى»: «عندما وصلنا إلى منزل على فهمى كان السلام استتب إلى حد ما، وكانت المرأة المسكينة تواسى نفسها، تصب أحزانها لنا من وراء حجاب بصوت غالًبا ما كان يقطعه نشيج بكاء، ولما كانت نكباتها غير عادية على الإطلاق منها وحدها يمكن توقع أى ترضية مقنعة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة