ربما تبقى حالة الاستقطاب الدولي السمة المميزة التي تميز المرحلة الدولية الراهنة، في ظل صراع دولي، بات مهيمنا، بين القوى المتنافسة، على القيادة الدولية، وهو ما يبدو في الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ عدة أشهر، لتعلن عودة "الدب" الروسي نحو استعادة المجد "السوفيتي"، عبر فرض سيطرته على محيطه الإقليمي، من جانب، أو صعود "التنين" الصيني، والذي ينطلق من قاعدة اقتصادية قوية، سعى إلى بنائها منذ عقود، ليتحول في السنوات الأخيرة إلى البناء عليها، بخطوات دبلوماسية ملموسة تقوم في الأساس على حشد الدول والقوى الإقليمية، مما يؤهل بكين للقيام بدور أكبر على المستوى العالمي في المرحلة المقبلة، والتي ستشهد لا محالة تحولات جذرية في صورة النظام الدولي، الذى اتسم بالهيمنة الأحادية خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى حالة من التعددية.
وبين سياستي الصراع، التي تتجلى في أبهى صورها في الأزمة الأوكرانية، والحشد التي تتبعها بكين، ثمة وجوه عديدة للدبلوماسية الدولية، في ظل الفرصة السانحة أمام العديد من القوى الإقليمية، للقيام بدور أكبر على المستوى الدولي، يتجاوز مناطقها الجغرافية، في ضوء مساحة أكبر لمختلف أقاليم العالم، لتصعيد قيادات جديدة، تنسجم مع حالة التعددية الدولية، والحاجة إلى الانفتاح على مناطق أخرى من العالم، بعيدا عن السياسات الإقليمية التي اعتمدت نهج "الجزر المنعزلة"، خاصة مع تواتر الأزمات المستحدثة، والتي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن قوى واحدة، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، لا يمكنها الاحتواء بمفردها، وبالتالي تبقى الحاجة إلى التعاون وتوزيع الأدوار بين القوى الرئيسية في كل منطقة جغرافية، بعيدا عن الرؤى التنافسية التي طالما سيطرت على الأوضاغ الإقليمية، مستلهمة الحالة الدولية برمتها طيلة السنوات الماضية.
ومع تنوع النهج السياسي للقوى الكبرى، والتداعيات الكبيرة للأزمات الراهنة على مختلف مناطق العالم، تبقى الحاجة إلى أدوات دبلوماسية جديدة، من شأنها تعزيز التعاون بين القوى المؤثرة في كل منطقة، وعلى رأسها الإعلام، والذي يبقى "رأس حربة" مهمة في إعادة ترتيب "البيت" الإقليمي، خاصة مع التطور التكنولوجي الهائل، وسهولة توصيل الرؤى عبر المنصات المؤثرة، والتي تبقى "سلاحا ذو حدين"، يمكن من خلالها، إثارة الفوضى، وهو ما لمسناه في العقد الماضي إبان "الربيع العربي"، والذى انتشر من دولة إلى أخرى في منطقة الشرق الأوسط كالنار في الهشيم، أو تهيئة البيئة الإقليمية نحو تعزيز الاستقرار، انطلاقا نحو الحقبة الجديدة.
وهنا تكمن أهمية تدشين منصات واعدة، على غرار "القاهرة الإخبارية"، والتي تمثل الوجه الأخر للإعلام، والذى بات يحمل هو الأخر، وجوها متعددة حسب الهدف منه، على غرار الصور المتنوعة للسياسة (بين الصراع والحشد)، ليصبح ظهور القناة في التوقيت الراهن، ذا مغزى واضح، يقوم في الأساس على تعزيز التعاون بين الدول، في مجابهة الأزمات الراهنة، بل والانطلاق نحو حقبة جديدة يمكن للأقاليم التي عانت قدرا كبيرا من التهميش، خلالها، القيام بدور أكبر في صناعة القرار الدولي، في المرحلة المقبلة، عبر استغلال الفرصة الحالية، والتي تشهد استقطابا دوليا، سواء للمنطقة العربية أو على المستوى القارى فى إفريقيا.
ولعل توقيت ميلاد "القاهرة الإخبارية"، والذي يتزامن مع المستجدات الدولية، في إطار الصراع في أوكرانيا تارة، والتنافس الأمريكي الصيني على حشد القوى المؤثرة في الأقاليم البعيدة جغرافيا، هو ما بدا مؤخرا فى انعقاد القمتين "العربية الصينية"، ثم "الأمريكية الإفريقية"، وقبلهما القمة "العربية الأمريكية"، تارة أخرى، ناهيك عن الأزمات الجديدة وتداعياتها الممتدة، تارة ثالثة، يمثل أهمية كبيرة، من خلال مسارينرئيسيين، أولها يعتمد نهجا توعويا شعبويا، للمواطنين، ليس في مصر وحدها، ولكن في محيطها الجغرافي برمته، بطبيعة الأزمات الدولية وتداعياتها على العالم، ناهيك عن حالة التنافس الدولي، على مناطقهم، عكس الأوضاع في الماضي، وهو ما يساهم بصورة كبيرة، في تقديم صورة أكثر شمولا، بعيدا عن سياسة الاقتطاع التي طالما تبنتها المنصات المثيرة للفوضى، وهو ما يقطع الطريق أمامها لتحقيق أهدافها القائمة على إثارة الانقسام المجتمعي، وتكرار تجربة الماضي القريب، عبر نشر الفوضى ونقلها من دولة إلى أخرى، لخدمة أجندات معينة، وبالتالي تقويض الفرصة الدولية السانحة للصعود الإقليمي، لتلك المناطق، وابقائها في دائرة الصراعات الأهلية، التي تأكل الأخضر واليابس.
بينما يعتمد المسار الثاني، الذى تعتمده "القاهرة الإخبارية"، نهجا دوليا، تقدم من خلاله الرؤى المصرية، إلى جانب الأخبار في صورتها المجردة، عبر التحليل المتأني للأحداث، وتداعياتها، والفرص المتاحة، لتحقيق التنمية، والشراكة الإقليمية، والتي من شأنها المشاركة بفاعلية، في رسم خريطة العالم الجديد، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في حشد القوى الإقليمية، وراء تحقيق قيادة هادفة، يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المشتركة لمناطقهم الجغرافية، بعيدا عن الطموحات الضيقة، والتي أثبتت السنوات الماضية استحالة تحقيقها، بعيدا عن الإطار الإقليمي الأكثر اتساعا، مهما بلغت الإمكانات المتاحة لدى قوى واحدة.
وفي الواقع يبقى ظهور "القاهرة الإخبارية"، والمحتوى الذي تقدمه، دليلا دامغا على تبني نهجا يعتمد سياسة "الحشد" وليس "الصراع"، عبر حشد الشعوب وراء دولهم، من خلال رسائل موجهة لهم، تسمح لهم برؤية شاملة للأوضاع العالمية، بينما تقدم رسائل دولية، لحشد القوى الإقليمية، على مستوى الدول، تحمل تذكيرا بالماضي ومآلاته والحاضر ومعطياته، من أجل مستقبل أفضل لدولهم وشعوبهم، سواء سياسيا أو تنمويا أو اقتصاديا، مما يساهم في تعزيز الاستقرار داخل دول المنطقة والانطلاق نحو استقرار إقليمي أوسع وأكثر شمولا.
وهنا يمكننا القول بأن "القاهرة الإخبارية"، هي بمثابة رسالة حول دور الإعلام القوي، في تحقيق الاستقرار الاقليمي، بالإضافة إلى قدرته منقطعة النظير في دعم ما أسميته في مقالي السابق بـ"دبلوماسية الإقليم"، لتعزيز الفرص التي تحظى به المنطقة العربية والقارة الإفريقية، لتحقيق المزيد من الزخم الدولي في اللحظة الراهنة، من أجل القيام بدور أكبر على الساحة الدولية في المستقبل القريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة