الناظر إلى حال اللغة العربية اليوم يشعر بحزن خاصة أنها تتعرض لتحديات كبيرة وتتلقى ضربات وطعنات للأسف من أبنائها بعد أن هجرها البعض، وأصبح هناك من يتفاخر بالتحدث باللغات الأجنبية، من غير أن يُدرك ما يقترفه من جُرم، معتقدا أن التحدث بلغة أجنبية مقياس للرقى والتحضر، إضافة إلى حرص الكثير من أبنائها على تعليم الأبناء لغة أجنبية أقل مكانة لتكون وسيلة تحدث فيما بينهم سواء فى البيت أو فى المدرسة أو خارجها، وهذه الظاهرة آخذة فى الاتساع.
إلا أن هناك شعاع نور ونقاط مضيئة لمؤسسات تعليمية وجامعية تقود تطويرا ودفاعا عن اللغة العربية، ونموذجا ما يحدث بين جدران كلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث الحرص على تبني استراتيجية تهدف لتحصين الهُوية العربية ودعم مكوناتها لترسيخ ثقافة الانتماء في قلوب الطلاب والباحثين بها، والعمل على مواصلة تحقيق أهداف الكلية التي وضعت منذ عقود طويلة رغم التحديات الحالية، فوجدنا حرصا على إثراء المعرفة ودراسة العريق والحديث والجمع بينهما لتحقيق الأصالة والمعاصرة، والمقدر أن عميدها يتبنى من خلال الفعاليات والندوات والأنشطة استراتيجية واضحة أيضا من أجل تثقيف العقل والضمير وسلامة الفكر والاعتقاد، وذلك من خلال حركة تنوير واضحة المعالم، لتجديد الخطاب الدينى، خاصة أن الكلية تذخر برموز وعلماء بمثابة قامات علمية ودينية كبيرة في المجتمع المصرى والعالم الإسلامي.
والمقدر أيضا أن "الدار" تحرص على المحافظة على اللغة العربية وآدابها وتفعيلها وفق التطورات العصرية بما يحقق لها استيعاب مستجدات الفكر والثقافة والتطور العلمي والتكنولوجى، وذلك من خلال الاستفادة من وسائل الحداثة لمعالجة اللغة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي يتداخل مع كافة العلوم بما فيها علوم اللغة، خلاف قيامها بدور مهم يسهم في تحقيق العالمية للغة العربية وهو تعليم اللغة العربية وآدابها للناطقين بغيرها.
لذا، نُثمن ما تفعله الدار لحماية اللغة الغربية، لأنه عندما نتحدث عن اللُّغَة فنحن أمام جزء من شخصية شعب وثقافة أمة وعقيدة إنسان، فالدولة أرض وتاريخ وشعب، فنعم الحفاظ عليها مسئولية الجميع "أفراد ومؤسسات" لأنه ليس من المعقول أن يعفى أحد نفسه من مسؤولية الحفاظ عليها وعلى سلامتها بحجة عدم تخصصها أو دراسته للغة العربية، فاعتقادنا أن هذا فهما خاطئا وهو ما يسهم في وقوعنا في فخ حروب الجيل الرابع الذى تستهدف قتل أخلاقنا وقيمنا الثابتة ولغتنا الجميلة.
وأخيرا.. إن سلامة اللغة محور أساسي في التعامل الإنساني بصفة عامة، وداخل المؤسسات التعليميَّة بصفة خاصة، والحفاظ عليها يُسهم في بناء الإنسان، والحفاظ على هُويَّته، وعلينا أن لا ننسى أن إدراج اللغة العربية ضمن اللغات العلمية المستخدمة حول العالم هدف يجب أن يسعى إليه الجميع، فليس من المعقول أن لا نفتخر بلغتنا ونحن نحتفل باليوم العالمى للغة العربية وقرار الأمم المتحدة بإدخالها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، ولا نغار عليها وهى رابع اللغات من حيث عدد المتحدثين بها، ولا نتذكر ما قاله الأديب الكبير، مصطفى صادق الرافعى، "ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، وأن الله سبحانه قد شرف الأمة كلها بأن جعلها لغة كتابه العزيز، حيث قال جلّ شأنه "إنَّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ}.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة