ردود أفعال غاضبة في الشارع الفلسطيني، وكذلك الإسرائيلي مع منح رئيس حكومة الاحتلال المكلف بنيامين نتنياهو، مساء الخميس، للمتطرف إيتمار بن غفير رئيس حزب عوتسما يهوديت، الضوء الأخضر بشأن قانون عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين منفذي العمليات ضد الإسرائيليين، رغم معارضة المنظومة الأمنية خشية زيادة العمليات وخطف الجنود الإسرائيليين بواسطة المقاومين الفلسطينيين.
اللافت أن الأمر ليس بجديد فقد طرح في العام 2017 مشروع قانون إسرائيلي يتيح تنفيذ حكم الإعدام على فلسطينيين من سكان الضفة الغربية أدينوا بارتكاب عمليات ضد أهداف إسرائيلية، يستثني اليهود الذين ينفذون جرائم بحق الفلسطينيين، وقد حظي بتأييد الائتلاف الحكومي حينها، والغريب أنها كانت خلال فترة حكومة بنيامين نتنياهو وكانت الذريعة حينها محاولة ردع المقاومين الفلسطينيين، وفي يوليو 2017 رفض الكنيست الإسرائيلي القانون بأغلبية أعضائه، وذلك لخصوصية في العقل الجماعي الإسرائيلى.
وحكم الإعدام منصوص عليه في القانون الإسرائيلي، إلا أن السلطات لا تطبقه استنادا إلى تعاليم الدين اليهودي، وتكتفي بأحكام السجن لمدد طويلة تصل إلى مئات السنين، وتزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حالة الإعدام الوحيدة في إسرائيل نفذت عام 1962 بحق المقدم الألماني أدولف إيخمان المدان بجرائم حرب نازية، حيث اختطفه عملاء الموساد الإسرائيلي عام 1960 ونقلوه إلى القدس المحتلة، ثم شنقوه وأحرقوا جثته بعد محاكمة قضائية معقدة تم بثها عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية المرئية وأخذت زخما عالميا كبيرا، وكانت أحد أبرز القضايا التي تابعها العالم والإسرائيليين عن قرب خلال هذه الفترة والتي يمكن وصفها بـ"قضية القرن" في النظام القضائي الإسرائيلى.
وعقوبة الإعدام تعني قتل شخص نتيجة ارتكابه جريمة عظمى، كما يُحددها القانون الإسرائيلي الذي يُحاكم فيه، ويُشترط أن تكون العقوبة واردة في منطوق حكم قضائي يتوجب محاكمة عادلة جرت أمام محكمة معترف بها ومشكلة وفق القانون. وإذا اختل أحد الشروط السابقة فإن عملية الإعدام تدخل في نطاق التصفية الجسدية أو الإعدام خارج القانون.
ويفرض قانون الكتاب المقدس صراحة عقوبة الإعدام في 36 جريمة، من القتل والزنا إلى عبادة الأصنام وتدنيس يوم السبت، ومع ذلك نادرًا ما يتم تنفيذ عقوبة الإعدام بحيث أصبحت عقوبة الإعدام ملغاة بحكم الأمر الواقع، ويعتقد القادة الدينيون والعلماء اليهود المحافظون أن عقوبة الإعدام يجب أن تظل غير مستخدمة، حتى في الحالات القصوى مثل الاغتيال السياسي.
عندما تم الإعلان عن قيام إسرائيل في مايو 1948 ورث الاحتلال القانون القانوني للانتداب البريطاني، مع بعض التعديلات، وبالتالي ظلت عقوبة الإعدام على الورق، ونُفذت أول عملية إعدام في إسرائيل بعد اتهام مئير توبيانسكي، ضابط بجيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتجسس وتم إعدامه رميًا بالرصاص، لكن تم تبرئته لاحقًا بعد وفاته.
الفلسفة التي يروج لها الاحتلال الإسرائيلي ويتمسك بها منذ الإعلان عن قيام دولته هي تنفيذ حكم الإعدام لمرة واحدة بشكل استثنائي ضد أحد مهندسي "الحل النهائي" لإبادة اليهود في أوروبا أدولف أيخمان، الذي اعتقله عملاء للموساد في الأرجنتين في 11 مايو 1960، وكان يعيش هناك باسم مستعار، وكُشف عن العملية في 23 من الشهر نفسه، حيث تم نقله مخدّرا الى إسرائيل وقُدّم إلى المحاكمة.
وحكم على أيخمان بالإعدام شنقا في 15 ديسمبر 1961، وأعدم إيخمان شنقا في سجن الرملة في منتصف ليلة 31 مايو عام 1962 وكان يبلغ من العمر حينئذ 56 عاما، وتم إحراق الجثمان والقي بالرماد في البحر المتوسط، وأنتج مؤخراً في إسرائيل فيلم سينمائي يحكي عملية خطف إيخمان ويحمل اسم "العملية الأخيرة".
بالعودة إلى التحركات التي يقوم بها المتطرف ايتمار بن غفير الذى يحاول تبرير طرحه لقانون إعدام الفلسطينيين بالعمليات التي تنفذ رغم معرفة الشارع الإسرائيلي بأن الفلسطيني يدافع عن أرضه المحتلة ويقاوم الحصار والقتل اليومي الذي تمارسه إسرائيل، فالفلسطيني تعرض لمئات الجرائم التي مورست فيها الإبادة الجماعية مثل "الهولوكوست" وهي الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها ملايين اليهود فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بسبب هويتهم العرقية والدينية على يد الحكم النازي في ألمانيا، وتعد قضية "الهولوكوست" أحد أبرز القضايا شديدة الخصوصية في العقل الجمعي الإسرائيلي والتي لا يمكن أن تقارن بجرائم إبادة جماعية في العصر الحديث حتى أن حالة الإعدام الوحيدة التي نفذت بعد عام 1948 تمت بحق المقدم الألماني أدولف إيخمان المدان بجرائم حرب نازية وقتل آلاف الإسرائيليين.
يجب أن يعي الجانب الإسرائيلي أن عقوبة الإعدام ضد المقاومين الفلسطينيين ستشعل فتيل الأزمة في الأراضي المحتلة خاصة في الضفة الغربية ومدينة القدس، والسؤال الأهم: كيف ستتخلى إسرائيل عن الفلسفة التي قامت عليها الدولة بعدم تنفيذ حكم الإعدام ولو لمرة واحدة بعد 48 إلا ضد شخص واحد وهو الألماني "إيخمان" بسبب خصوصية "الهولوكوست" لدى المجتمع الإسرائيلي، فهل تخلت إسرائيل عن فلسفتها التي قامت عليها الدولة ؟ هل تجوز المساواة بين محاكمة "إيخمان" وما تمثله للعقل الجماعي الإسرائيلي بشأن "الهولوكوست" ومع المقاومة التى يمارسها الشعب الفلسطيني المحتل لنيل حقه في الحرية وحل الدولتين وفقا للشرعية الدولية؟ أسئلة تحتاج لإجابة من المواطنين الإسرائيليين.