بيشوى رمزى

الدبلوماسية المصرية.. مرونة التعاطي مع المتغيرات فى مناطقها الجغرافية

الإثنين، 26 ديسمبر 2022 04:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الحوار والشراكة".. جناحا الرؤية المصرية، في الداخل، والخارج، من أجل تحقيق التكامل والانسجام بين كافة الأطراف الفاعلة، سواء في إطار السياسات الداخلية التي تتبناها الدولة المصرية، وهو ما يتجلى في "الحوار الوطني"، الذى حرصت على تعددية المشاركة به، بحيث لا تقتصر على الفاعلين سياسيا، وإنما اتسعت مظلته ليشمل كافة الفئات المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني، ليتجاوز المفهوم التقليدي للسياسة من جانب، أو دبلوماسيتها الإقليمية والدولية، والتي تخلت عن سياسة "التواكل" على القوى الكبرى، لتنطلق نحو التكامل، عبر تقديم نفسها كقوى فاعلة يمكنها القيام بدور في مجابهة التحديات الكبرى التي تواجه العالم في المرحلة الراهنة.
 
وبين "التواكل" و"التكامل"، ثمة متغيرات كبرى استحدثتها الدولة المصرية، قامت في الأساس على تقديم نفسها كنموذج فعال في مجابهة التحديات الداخلية، عبر مكافحة الإرهاب، والانتصار في معركتها ضد جماعات الظلام، مع العمل على تحقيق التنمية المستدامة في إطار العديد من المشروعات العملاقة التي من شأنها مراعاة كافة المعايير، سواء البيئية أو المجتمعية، ناهيك عن تحسين الأوضاع الاقتصادية، مع تفعيل دور القوى السياسية، لتنطلق بعدها نحو مرحلة جديدة، تعتمد على تعظيم الدور الذي يمكن أن تقوم به مناطقها الجغرافية، عبر التحول من الإطار الفردى إلى العمل الجماعي، في إطار إقليمي، من خلال نفس النهج، القائم على تحويل أقاليمها إلى نماذج يحتذى بها في محابهة الأزمات الجماعية، تزامنا مع الانطلاق نحو تحقيق طفرات تنموية عملاقة.
 
ولعل التحول نحو العمل الإقليمي، شهد محطات عديدة، توقف لديها قطار الدبلوماسية المصرية، عبر تغيير الجغرافيا التقليدية، من خلال توسيع نطاق التعاون مع مناطق أخرى من العالم، على غرار أوروبا، في إطار التعاون الثلاثي مع قبرص واليونان في مجال الغاز، ليتحول إلى شراكة أوسع في إطار منتدى غاز شرق المتوسط، والذى يضم في عضويته دولا أوروبية وشرق أوسطية، ليحقق حالة من الاندماج الإقليمي مع مناطق أخرى من العالم، ناهيك عن التقارب مع تجمع فيشجراد، والذي دولا من أوروبا الشرقية، حتى يتسنى لها الحديث عن التحديات، ليس فقط باسمها وإنما أيضا باسم مناطقها.
 
والمتابع للتحركات المصرية، على المستوى الإقليمي، ربما يلحظ قدرة الدولة في التلامس مع "بيت الداء" في كل منطقة تتعامل معها، حيث يبقى تحقيق الاستقرار والأمن، واحتواء الصراعات البينية، هو الهدف الرئيسي الذي تسعى وراءه في شراكاتها بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يبدو في الشراكة الثلاثية مع العراق والأردن، والتي أثمرت عن مؤتمر بغداد، والذى يضم قوى عربية وإقليمية اتسمت علاقاتهم البينية بـ"التنافس الصراعي"، على مدار عقود طويلة من الزمن، ليجتمعوا معا على مائدة واحدة، في مشهد يبدو مستجدا، في منطقة ألهبتها الصراعات البينية، ربما لن يقوض الطموحات التنافسية، ولكن من شأنه تحويل حالة الصراع إلى تعاون، بصورة تدريجية، عبر استحداث دور القيادات الإقليمية، بصورة تسمح بالتعددية، من خلال توزيع الأدوار، مما يساهم في تخفيف حدة التنافس في مجال السياسة، وتحويلها إلى تكامل وانسجام في مجالات أخرى اقتصادية واجتماعية.
 
وأما عن العمق الأفريقي، فتبقى العملية التنموية هي المؤرق الحقيقي للقارة السمراء، وهو ما تدركه الدبلوماسية المصرية، ودافعت عنه في المحافل الدولية، سواء إبان رئاستها للاتحاد الإفريقي، في 2019، أو خلال استضافتها لقمة المناخ في شرم الشيخ الشهر الماضي، لتحتشد وراءها وفود القارة، أمام العالم، للحصول على اعتراف بأحقيتها في تحقيق التنمية المنشودة، وتعويضها عن سياسات التجريف التي طالما مارستها بحقها القوى الكبرى لعقود طويلة من الزمن، لتسفر الجهود في نهاية المطاف عن تدشين صندوق الخسائر والأضرار، والذى من شأنه تقديم الدعم، أو بالأحرى التعويض، للدول عما لحق بها جراء النظرة "الأنانية" التي تبنتها دول العالم المتقدم في التعامل مع محيطها الدولي.
 
إلا أن الدور المصري في أفريقيا لم يقتصر على الحديث عن القارة بصورة جمعية، وإنما امتدت نحو العمل الفردي، عبر شراكات ثنائية متعددة، تجلت في أبهى صورها في المشاركة الفعالة، في بناء سد " جوليوس نيريري"، في تنزانيا، في خطوة من شأنها تحقيق طفرة في مجال الكهرباء بالدولة الإفريقية، ناهيك عن كونها دليلا دامغا على قدرة الدولة المصرية على تقديم الدعم لمناطقها الجغرافية، دون المساس بحقوق الدول الأخرى، وكذلك تقديم صورة جديدة لإفريقيا القادرة على الاعتماد على نفسها في تحقيق أهدافها التنموية.
 
وهنا يمكننا القول بأن المشاركة الفعالة في بناء السد التنزاني، تمثل الوجه الأخر لمؤتمر بغداد، في ظل إدراك الدولة لبواطن الضعف في مناطقها، والعمل على معالجتها، بحسب متطلباتها، لتحويل بوصلة الحل نحو الداخل الإقليمي، بعيدا عن انتظار تدخلات خارجية، تقرض من خلالها القوى الكبرى شروط، ربما لا تتناسب مع ظروف الإقليم وشعوبه، ولكنها تحمل في طياتها محاولة لفرض نفوذها للسيطرة على مقدراتها، دون تقديم حلول فعلية للأزمات القائمة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة