كان الجفاف بطل اللعنات التى أصابت العالم في عام 2022، بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص مياه الأمطار ، ومن أوروبا الي امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية أصبحت تعاني من عواقب الجفاف..
وترك الجفاف أنهارًا رئيسية بدون مياه، ودمر المحاصيل، وأدى إلى حرائق الغابات، وهدد الأنواع المائية، وأدى إلى فرض قيود على استخدام المياه فى أوروبا، كما أصاب أماكن كانت قد تأثرت بالفعل بالجفاف فى الولايات المتحدة، مثل غرب البلاد، ولكن أيضًا فى أماكن يكون الجفاف فيها أكثر غرابة، مثل الشمال الشرق، وشهدت الصين أيضًا صيفًا جافًا خلال 60 عامًا، تاركة نهر اليانجتسى الشهير بنصف عرضه المعتاد.
المياه الجوفية تثير القلق في أوروبا بعد احجار الجوع
حذرت العديد من التقارير من أن نصف الأراضى الأوروبية معرضة لخطر الجفاف، وحذر عالم الهديرولوجيا جاى فاميجليتى، مدير المعهد العالمى للأمن المائى فى جامعة ساسكاتشوان الكندية، من أن أزمة المياه التى تمر بها أوروبا تصل إلى جفاف المياه الجوفية التى لا يستطيع الناس رؤيتها .
وقدر الباحثون أن متوسط فقدان المياه فى أوروبا كان 84 جيجا طن سنويًا منذ بداية القرن الحادى والعشرين، ووفقًا لفاميجليتى، هذا رقم مثير للقلق، يساوى تقريبًا جميع المياه فى بحيرة أونتاريو أو خمسة أضعاف متوسط التدفق السنوى لنهر كولورادو عبر جراند كانيون. المقياس (الجيجا طن يمثل مليار طن من الماء) يكاد يكون من المستحيل فهمه. لكن هذا هو النطاق الذى يحدث فيه تغير المناخ .
وكانت بداية القلق الذي يساور أوروبا يعود إلي ظهور أحجار أطلق عليها "أحجار الجوع"، والتي اعتبرها العديد من الخبراء أنها تحذير من الأجداد الذين عانوا من الجفاف في الأزمنة القديمة بفترات من البؤس القادمة بسبب تغيير المناخ.
وأشارت صحيفة "ميلينو" الإسبانية، إلى أن هذه الصخور منحوت عليها رسائل من الشعوب القديمة عن الكوارث، التي كانت ناجمة عن نقص المياه وتذكير بالصعوبات التي عانوا منها أثناء فترات الجفاف.
وفقًا لدراسة أجراها فريق تشيكي فيمكن قراءة السنوات 1417 و 1616 و 1707 و 1746 و 1790 و 1800 و 1811 و 1830 و 1842 و 1868 و 1892 و 1893 على بعض الصخور التي توجد تحت الأنهار.
انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية فى العالم
وتعانى العديد من المحاصيل الزراعية من انخفاض كبير فى الإنتاج بسبب الجفاف، ففى إسبانيا انخفض إنتاج القطن، مع توقعات بانخفاض آخر بنسبة 45% فى نهاية العام، حيث أشارت صحيفة "الديا" الإسبانية إلى أنه تقدر الطاقة الإنتاجية للقطن 2022/2023 في الأندلس بنحو 127 ألف طن، أي أقل بنسبة 27.5% من إنتاج الحملة السابقة، وأقل بنسبة 31.3% عن متوسط الحملات الثلاث الماضية.
كما ارتفعت أسعار زيت الزيتون فى اسبانيا ، 40% ، مع انخفاض الإنتاج بنسبة 50%، حيث يصل إنتاج زيت الزيتون في الأندلس لحصاد 2022-2023 إلى 587 ألف طن، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 49.1 % مقارنة بالإنتاج النهائي للحصاد السابق 47.5 % عن متوسط الحصاد الخمس الماضية.
وأعلنت الرابطة الإيطالية لصناعة زيت الزيتون، عن قلقها إزاء الوضع الذى يجد فيه قطاع الزيتون الإيطالى أزمة من نقص الإنتاج مع ارتفاع الأسعار، ما يؤدى إلى اقتراب نفاده على أرفف السوبر ماركت، ووفقا لصحيفة "المساجيرو" الإيطالية فإن تقديرات المنظمات الزراعية، هناك 200 ألف طن من زيت الزيتون المخطط لها لهذا المحصول لن تكون كافية لتزويد السوق المحلى الذى يحتاج إلى 600 ألف طن.
وارتفع السعر بنسبة 27%فى محصول 2021-2022 مقارنة بالمحصول السابق، حيث ارتفع سوق زيت الزيتون بشكل جذرى مع الإعلان عن قدرة المحصول وانخفاض الإنتاج المتوقع للزيت.
كما أعلنت مدينة برشلونة الإسبانية حالة التأهب بسبب الجفاف، وستطبق حالة قيود على المياه للمرة الثانية خلال 14 عاما، وتفرض قيودا على الاستخدامات الزراعية والصناعية وغيرها مثل رى الحدائق وغسيل السيارات، وذلك بسبب الجفاف الذى تعانى منه برشلونة فى الآونة الأخيرة.
وأوضحت الصحيفة أن الجفاف اجبر إسبانيا على استثمار أكثر من 300 مليون فى محطات تحلية المياه، ومن القيود التى تتخذها برشلونة ، تقليل الرى بنسبة 25% ، واغلاق نوافير الزينة وحظر رى الشوارع بمياه الشرب ، بالإضافة إلى حظر سقى الحدائق وملء حمامات السباحة وغسيل السيارات.
وفى أمريكا اللاتينية ، هناك توقعات بانخفاض انتاج القمح فى الأرجنتين، وتوقع تقرير أعدته وزارة الزراعة انخفاضا بنسبة 39.4% في موسم محصول القمح المقبل، بإنتاج 13.4 مليون طن فقط، مقابل 22.1 مليون طن عن الموسم الماضي .
وأشارت صحيفة "انفوباى" الأرجنتينة إلى أن العامل الرئيسى فى انخفاض إنتاج القمح فى الأرجنتين هو قلة الأمطار، ودرجات الحرارة المنخفضة والصقيع فى فترة الإزهار للمحصول.
وأوضحت الصحيفة أن تأثير الجفاف على المحاصيل الزراعية أصبح يقلق الحكومة الأرجنتينية بشكل كبير، فمع توقعات انخفاض إنتاج القمح بنسبة 40%، فإن زراعة فول الصويا والذرة تعتبر الأبطأ منذ 22 عاما، بسبب الجفاف أيضا.
وليس القمح فقط بل أيضا الشعير ، هو محصول شتوى آخر متأثر بالجفاف والصقيع، حدد الخبراء من وزارة الزراعة أن إنتاج الشعير هذا العام 4.7 مليون طن، وهو ما يمثل انخفاض بنسبة 9.6%.
كما أن الجفاف تسبب فى تغيرات فى منتجاتها الزراعية الرئيسية، حيث أثر الجفاف على 126 مليون هكتار أى ما يعادل 75% من المساحة الزراعية فى الأرجنتين التى تركز على إنتاج القمح والذرة وفول الصويا.
الولايات المتحدة
كما عانت الولايات المتحدة منذ منتصف يوليو الماضي كان أكثر من 93 % من ولاية تكساس تعاني من الجفاف، وفقًا لمرصد الجفاف بالولايات المتحدة، وأنه اعتبارًا من منتصف أغسطس كان أكثر من 26 % من ولاية تكساس في أعلى مستوى، إذ تميزت بفقدان المراعي والمحاصيل على نطاق واسع بالإضافة إلى نقص المياه.
كما تعاني كاليفورنيا ، التى طلبت من سكانها تقليص ما يستهلكونه من مياه بنحو 35% ، بعدما سجلت أسوأ موسم جفاف، كما أن انتقلت ولايات أخرى كنيفادا من مرحلة التحذير إلى التهديد بإضافة غرامات مالية لقوانينها الجديدة بشأن ري الحدائق الخاصة والإسراف في استخدام المياه.
ففى الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر ولاية كاليفورنيا من أكثر المناطق التى تعرضت للجفاف بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة الشديدة ونقص الامطار، وفى سانتا كروز التى تقع فى ولاية كاليفورنيا تم العثور على 600 رأس ماشية نافقة بسبب الجفاف، بالإضافة إلى وجود أكثر من 170 الف رأس معرضة للخطر.
وأظهرت دراسة جديدة، أن الجفاف الذى امتد إلى 3 قارات فى منتصف العام الجارى، وسيطر على مساحات شاسعة من أوروبا والولايات المتحدة والصين، سيتكرر 20 مرة سنويا بسبب تغير المناخ، حسبما قالت صحيفة "الكونفندنثيال" الإسبانية.
وقالت الدراسة التى أجراها باحثون كولومبيون من World Weather Attribution، وهى مجموعة دولية من العلماء الذين يدرسون العلاقة بين الظروف الجوية القاسية وتغير المناخ، أن هذا النوع من الجفاف كان من المفترض أن يحدث مرة كل 400 عاما، ولكن تغير المناخ هو الذى جعله سيتكرر 20 مرة فى العام الجارى، وذلك بالنظر إلى مقدار ارتفاع درجات الحرارة على الكوكب.
وقال مارتن فان ألست، عالم المناخ بجامعة كولومبيا والمؤلف المشارك للدراسة، أن الكوارث البيئية مثل الجفاف المنتشر والفيضانات الهائلة فى باكستان هى "بصمات تغير المناخ"، مضيفا أن "التداعيات واضحة جدا للناس وتضر بشدة، ليس فقط فى الدول الفقيرة مثل الفيضانات فى باكستان ولكن أيضا فى بعض أغنى الأماكن فى العالم مثل غرب وسط أوروبا.
نفوق الحيوانات
يهدد الجفاف أيضا الحيوانات ،ففي الارجنتين هدد 56% من الابقار الموجودة فى الأرجنتين، وبذلك فإن هناك حوالى 30 مليون بقرة تتأثر بنقص هطول الأمطار وتتعرض للعطش فى ثانى أكبر منتج للماشية فى أمريكا الجنوبية.
وفي ايطاليا ، في أغسطس الماضي ، أصيبت 50 بقرة من سلالة منطقة بييمونتي الإيطالية في مزرعة في سوماريفا ديل بوسكو قرب تورينو، بالتسمم الحاد بمادة الدرهين الموجودة طبيعياً في براعم الذرة الرفيعة الصغيرة، وذلك بسبب ندرة المياه .
ففي إسبانيا، قام أصحاب المزارع باستئجار شاحنات صهريجية لتعويض نقص المياه ، وقال فلاحو لوس بيدروش ، إلى الحد الأقصى بسبب الجفاف: "إذا نضب ماء الآبار، أبيع الحيوانات".
وأوضح المزارعين أن البقرة الوحيدة تحتاج إلي 130 لتر من المياه يوميا، من بين تكاليف اخري، مشيرا إلي أن تكلفة شاحنة نقل المياه حوالي 250 يورو.
وفي فرنسا يستمر الجفاف في تهديد الماشية حيث أنه نقص الأمطار ادي الي نقص انخفاض 21% في الحشائش مما يؤدي إلي حالة من الجوع لدي الماشية.