تستحق حياة أبو مسلم الخرسانى التأمل، ومزيدًا من التأمل، فالرجل الذى خدم بنى العباس، وكان السبب الرئيسى فى وصولهم إلى كرسى الخلافة الإسلامية بعدما أذاع دعوتهم وقضى على الدولة الأموية فى سنة 132 هجرية، وراح يواجه أعداء الدعوة العباسية فى كل مكان، وقتل كل من وقف فى وجه الراية السوداء للعباسيين، انتهى به الحال مغتالا على يد العباسيين أنفسهم، فقد قتله أبو جعفر المنصور، بعد خمس سنوات فقط من استقرار الأمر للعباسيين، قتله فى سنة 137 هجرية.
ومن يعود للتاريخ حسبما وثقته كتب التراث سيرى أن مشهد القتل كان يشبه ما حدث مع يوليوس قيصر فى سنة أربعة وأربعين قبل الميلاد، عندما وجد نفسه محاطا بالقتلة.
لم يكن أبو جعفر المنصور، الخليفة العباسى الثانى، يحب أبو مسلم الخراسانى، وقد طلب من أخيه أبو العباس السفاح أن يقتله، لأن الدولة لم تعد فى حاجة إليه، لكن السفاح لم يرد ذلك، وإن مالت نفسه ذات مرة إلى هذا الأمر، لكنه لم ينفذه.
مات السفاح فى سنة 136 هجرية، وتولى من بعده أبو جعفر المنصور، لكنه المفاجأة التى لم يحسب لها الخليفة الجديد حسابا أن عمه "عبد الله" قد خرج عليه، وأعلن نفسه خليفة، فاضطر أبو جعفر المنصور أن يرسل أبا مسلم ليهزمه، وقد كان ذلك، وهنا عاد الخليفة ليفكر فى قتل أبى مسلم مرة أخرى.
لقد استوقفتنى طريقة القتل، إنها درامية جدا، لكن فى البداية وجب التوقف عند شخصية أبى مسلم الخراسانى، الذى تقول عنه الكتب إنه كان "فاتكا ذا رأى وعقل وتدبير وحزم"، بالتالى كان يعرف جيدا أن أبا جعفر المنصور يبيت له نية سوء، فسارع هو بإبداء الاعتراض، والخروج عن الطاعة، وكانت له قوة لا يستهان بها فى خراسان، وللعلم كان هو والى الشام وخراسان، فبدأ المنصور معه بالحيلة.
والحيلة أنه عرض عليه حكم مصر بجانب الشام وخراسان واشترط عليه أن يدير ذلك من الشام ويرسل من يريد إلى الأمصار الأخرى، كان المنصور يريد أن يفصله عن "خراسان"، لكن أبا مسلم فهم اللعبة، وقال له أديرها من خراسان، وهنا بدأت المراسلات بين الرجلين تأخذ طريقا آخر ظهر فيه العداء سافرا حتى أن أبا مسلم هدد وتوعد، وهنا لجأ المنصور مرة أخرى إلى الحيلة.
والحيلة أنه ألان الحديث وطلب من أبى مسلم أن يقدم عليه، وانطلت الخدعة، وكان المنصور قد أعد العدة، وعندما دخل عليه أبو مسلم استقبله المنصور وأرسله ليبيت منعمًا ثم يأتى له فى الغد، وكان ذلك الغد هو الأخير.
دخل أبو مسلم الخراسانى، وراح المنصور يلومه بينما أبو مسلم الذى شعر بالخطر راح يعتذر، فهو يعلم جيدا أنه فى عرين الرجل، لكن أبا جعفر لم يقبل العذر، وفجأة صفق بيده، وكانت هذه هى العلامة المتفق عليها مع القتلة، فخرج رجال من مخابئهم ورحوا يطعنون أبا مسلم حتى قطعوا جسده ثم ضموا جسده فى غطاء وألقوه بعد ذلك فى نهر دجلة، ثم خرج المنصور ليخطب فى الناس خطبة شهيرة.
لقد فاجأتنى فكرة قتل أبى مسلم الخراسانى، لم أكن أعرف نهايته ولم أتوقعها أبدا، كان ظنى أنه العباسيين قد احتفوا به ونعموه إلى أن مات شيخا عجوزا، لكن ذلك لم يحدث، ومات مقتولا فى الثانية والثلاثين من عمره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة