قررت الانتظار لبضعة أيام حتى تنتهى الاحتفالات المتلاحقة بعدم فوزنا في الحصول على كأس الأمم الأفريقية ، وحصولنا على المركز الثاني ، وكيفية تحولنا من حالة الحزن والصدمة وضياع أمل محبي كرة القدم في حصول مصر على تلك البطولة التي انتظروها طويلا ، إلى حالة تقدير الفريق وجهوده التي وصلت به إلى مباراة النهائي ، والتي لم تكن نتيجتها سوى انعكاس عادل لمستوى الفريقين ! ولقد ثمنت كثيرا هذا التحضر والرقي الذي قابل به الجمهور المصري هزيمة لاعبو الفريق الوطني ، ورغبة المصريين في تجاوز تلك الصدمة أملا منهم في الاستعداد لمباراتي السنغال بعد عدة أسابيع .
ربما كان البكاء والانهيار الذي أصاب الفريق المصري عقب انطلاق صفارة النهاية من الحكم الجنوب أفريقي ، هو سبب هذا التعاطف ، وربما رغبة من الجمهور في تجاوز المحنة استعدادا لما هو قادم ، أو لأن حبس الأنفاس خلال ضربات الجزاء جعلنا نتجاوز عن أداء الفريق خلال الأشواط الأربع التي كانت تحمل الكثير من الملاحظات على الأداء المصري ، عكس ما شاهدناه في مباراتي المغرب وكوت ديڤوار .
المهم في كل هذا انه لم تمض ساعات على وصول الفريق المصري لأرض الوطن ، حتى توزع بعض لاعبيه على القنوات الفضائية ، واستمر الحال هكذا حتى عدة أيام تالية ، وسط تسربيات للمبالغ الكبيرة التي حصلوا عليها في مقابل ظهورهم على هذه القنوات . وهو ما يتناقض مع حزنهم وبكاؤهم ونحيبهم الذي شاهدناه جميعا عقب المباراة.
لقد بدا المشهد احتفاليا كما لو كان إنجازا عظيما قد حدث ، وأن المنتصرين قد عادوا يحملون الكأس ، وكما لو كانوا لا يدركون كرم أخلاق الجماهير المصرية التي ارتفعت فوق مستوى الهزيمة لتدعم أبنائها وتساندهم وتشد من أزرهم ، وقد تغاضت عن خيبة آمالها في النتيجة الصادمة ، لكنهم لم يستوعبوا هذا الكرم .
صحيح أن الكرة مكسب وخسارة ، وأن الأخلاق الرياضية تحتم قبول النتيجة ، لكن الواقع أيضا يؤكد أن هناك خللا كبيرا يجب أن يتم تداركه حتى لا نصل لما وصلنا إليه من نتيجة لا تتناسب مع نملكه من إمكانات ولاعبين دوليين أصحاب مهارات عالية أثبتوا قدرتهم في العديد من الفرق على مستوى العالم .
الأمر الآخر هو تسابق القنوات على محمد أبو جبل وإن كان يستحق التقدير لكن ما يحدث معه من تضخيم وتدخل في حياته الشخصية يثير الخوف على مستقبله ، والتأثير على أداءه في المستقبل ، وهو يخطو الخطوات الأولى الحقيقية للنجاح ، فهو في النهاية بشر لا يتحمل كل هذا الذي يدفعه إلى طريق لا يحميه فيه سوى الله .
أتمنى ألا تتحول سعادتنا بتطور أداء فريقنا الوطني سببا في إضعافه ، وكسر روح التحدي والشعور بالمسئولية الذي اتسم به خلال هذه البطولة ، وأن يكون وعي الجمهور وتشجيعه المحسوب ، والمسئولية الوطنية لوسائل الإعلام في أداء دورها هما الداعم والدافع في المرحلة القادمة ، بعد أن ثبت أن تحقيق الفوز هو ما يحقق سعادة لا توصف لكل المصريين .