"15 فبراير 2022 "، يوم سيدخل التاريخ.. فشلت دعاية الحرب الغربية وتعرضوا للعار والتدمير دون أن نطلق رصاصة واحدة " ، بهذه العبارة اختارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التعليق علي الأزمة الممتدة منذ أكثر من شهر بين بلادها والغرب بسبب اعتزام أوكرانيا الانضمام للناتو ، ما يشكل ـ من وجهة النظر الروسية ـ تهديداً لأمنها القومي.. فما الذي حدث منذ ذلك الحين ، وكيف استطاعت روسيا حتي الآن الانتصار في الصراع دون أن تطلق رصاصة ، ودون أن تتكبد عناء الغزو المزعوم من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
زخاروفا التي دونت عبارتها بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية سحب قواتها بساعات في ذلك اليوم ، تحدثت من منطق قوة دشنتها روسيا علي مدار سنوات ، عبر طرق ووسائل عدة من خلال دعمها لـ الانفصاليين في أوكرانيا وتقديم امتيازات ومساعدات عدة، وهو ما ظهر جلياً مساء الإثنين ـ بعد أسبوع من تصريح زخاروفا ـ حينما أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين اعتراف روسيا باستقلال إقليم دونباس أو جمهوريتي لوجانسك ودونتيسك ، اللتان أعلن برلمانيهما التصديق علي اتفاقية صداقة مع موسكو، أقرتها الأخيرة بدورها عبر البرلمان الروسي (الدوما).
وبموجب الاعتراف الروسي باستقلال لوجانسك ودونيستك ، وجه الرئيس الروسي فلادمير بوتين القوات المسلحة الروسية مساء الأثنين بـ"العمل لضمان السلام" في الجمهوريتين الشعبيتين ، وتنفيذ "مهام ضمان السلام" في تلك الأراضي استجابة لطلبات رئيسيهما دينيس بوشيلين ودينيس باسيتشنيك ، بموجب اتفاق الصداقة والتعاون المتبادل معهما.
القرارات المتتالية بين موسكو وقادة إقليم دونباس خلقت بدورها واقعاً جديداً في الأزمة بين روسيا والغرب ، حيث باتت موسكو في حل من القيام بغزو عسكري ، وحال نشرها قوات في أرضي إقليم دونباس ، فسيعد ذلك بمثابة تحرك مشروع بموجب ما تم خلال الساعات الـ24 الماضية ، فكيف ربحت روسيا رهانها في نهاية المطاف ، دون رصاصة ، وما هي جذور الصراع التي مكنت روسيا من الوصول لهذا السيناريو ؟
بوتين يستعرض تاريخ المساعدات وقصة الـ250 مليار دولار
فى خطاب له مساء الثلاثاء ، قال الرئيس الروسي فلادمير بوتين عقب إعلانه الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوجانسك شرق أوكرانيا ، إن بلاده "سددت بالكامل الديون المترتبة على أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، لكن كييف لم تف بإلتزاماتها ولم تقم بإعادة ممتلكات الاتحاد لروسيا"، مشيراً إلى أن موسكو قدمت دعما ماليا غير مسبوق لأوكرانيا في الفترة من 1991 إلى 2013، وأضاف أن روسيا سددت بالكامل حصة أوكرانيا من الديون المترتبة عليها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، لكن كييف لم تف بإلتزاماتها ولم تقم بإعادة ممتلكات الاتحاد السوفيتي لروسيا (باعتبارها الوريث الشرعي للاتحاد).
وتابع بوتين: بحلول نهاية العام 1991 بلغت ديون الاتحاد السوفيتي للدول الأجنبية والصناديق الدولية حوالي 100 مليار دولار، وفي البداية كان من المفترض أن تسدد جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق هذه الديون، بما يتناسب مع حجم اقتصادها، لكن روسيا تعهدت بسداد جميع هذه الديون السوفيتية بالكامل، ونفذت وعدها وأكملت سدادها بشكل كامل في العام 2017، بالمقابل كان على الجمهوريات السوفيتية السابقة التنازل عن حصتها من الأصول الأجنبية السوفيتية لصالح روسيا، وتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن مع ممثلي أوكرانيا في ديسمبر 1994، إلا أن كييف لم تصدق رسميا على هذه الاتفاق، ورفضت ببساطة الامتثال له.
وأكد بوتين أنه على الرغم من تفكك البلاد (الاتحاد السوفيتي) والخداع ونهب روسيا، اعترف الشعب الروسي باستقلال جميع دول الاتحاد السوفيتي، وأشار إلى أن روسيا كانت تتعاون مع أوكرانيا بشكل نزيه مع احترام مصالحها، وتلقت أوكرانيا في الفترة ما بين 1991 وحتي 2013 مساعدات تقدر بـ250 مليار دولار.
القوة الناعمة .. ملامح النفوذ الروسي في الشرق الأوكراني
النفوذ الروسي في الشرق الأوكراني لم يكن وليد اللحظة ، ففي إبريل 2014 ، وعندما تمت الإطاحة بالرئيس الأوكرانى المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش على خلفية احتجاجات كبرى عام 2014، ردت روسيا حينها بضم شبه جزيرة القرم، ثم ساندت تمرد فى منطقة بشرق أوكرانيا يغلب عليها الحديث بالروسية والتى تعرف باسم دونباس.
وحينها ، حاصر الانفصاليون المبانى الحكومية فى منطقتى دونتيسك ولوجانسك، وأعلنوا تأسيس جمهوريتين شعبيتين، وخاضوا معارك ضد القوات الأوكرانية والمتطوعين، ليتم بعد ذلك بأسابيع إجراء استفتاءً شعبيا لإعلان الاستقلال وأن تصبحا جزءا من روسيا، غير أن روسيا لم تقبل حينها تلك الخطوة، واختارت الاحتفاظ بهذه الحالة لتكون بمثابة "حصان طروادة" الذي يمكنها من السيطرة علي أوكرانيا متي أرادت ومنع انضمامها إلى الناتو.
وطالما اتهمت أوكرانيا والغرب روسيا بدعم المتمردين بقوات وأسلحة، ونفت موسكو الأمر، وقالت إن الروس الذين كانوا يحاربون هم متطوعون.
وبعد هزيمة القوات الأوكرانية فى أغسطس 2014، وقع مبعثون من كييف والانفصاليين ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا هدنة فى عاصمة بيلاروسيا مينسك فى سبتمبر 2014، ونصت الوثيقة على أن تراقب منظمة الأمن والتعاون وقف إطلاق النار وسحب كل المقاتلين الأجانب وتبادل السجناء والرهائن، وعفو عن المتمردين ووعد بأن تحظى مناطق الانفصاليين بدرجة من الحكم الذاتى.
وسرعان من انهار الاتفاق وتم استئناف القتال ما أدى إلى هزيمة أخرى كبرى للقوات الأوكرانية فى الفترة بين يناير وفبراير 2015.
وتوسطت فرنسا وألمانيا لاتفاق سلام آخر، وتم توقيعه فى مينسك فى فبراير 2015 من قبل ممثلين عن أوكرانيا وروسيا والانفصاليين، ونص على وقف إطلاق نار جديد وانسحاب للأسلحة الثقيلة وسلسل من الخطوات نحو التسوية السياسية. وتم توقيع إعلان دعم الاتفاق من قبل قادة أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا.
وبموجب اتفاق السلام الموقع فى 2015 تم إلزام أوكرانيا بمنح وضع خاص لمناطق الانفصاليين، والسماح لهم بأن تكون لهم قوة شرطة خاصة لهم، وأن يكون لهم رأى فى تعيين المدعين المحليين والقضاة، كما نص على أن اوكرانيا يمنها استعادة السيطرة على المناطق الممتدة لمسافة 200 كيلومتر على حدودها مع روسيا فى مناطق الانفصاليين بعد أن يحصلوا على حكم ذاتى وإجراء انتخابات محلية بمراقبة منظمة الأمن والتعاون، وهو الاستطلاع الذى أبقى أغلب مؤيدى موسكو من الانفصاليين فى السلطة.
وساعدت وثيقة مينسك على إنهاء القتال الشامل، لكن ظل الوضع متوترات واندلعت مناوشات بشكل مستمر.
"الباسبور الروسي" .. ورقة بوتين
وبحسب تقرير نشرته صحيفة جارديان الثلاثاء ، فإن روسيا طالما عززت قبضتها ونفوذها على مناطق الانفصاليين حيث منحت 720 ألف جواز سفر روسى لسكان تلك المناطق البالغ عددهم 3.6 مليون نسمة، وقدمت مساعدات مالية واقتصادية للانفصاليين.
وأشارت الصحيفة إلى أن قرار الرئيس الروسي الأخير، أول اعلان رسمي وصريح بعدم تبعية جمهوريتي لوجانسك دونيتسك ، أو إقليم دونباس للأراضي الأوكرانية، وهو القرار الذي يمكن تم تعزيزه بإعلان برلماني الجمهوريتين تأييد اتفاقية الصداقة مع موسكو ، ما يعني إمكانية التمركز العسكري في تلك الأراض دون حرب ، ودون إطلاق رصاصة واحدة ، ليلقي بذلك الكرة في ملعب الغرب.
وعصر الثلاثاء ، انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في فرض عقوبات علي روسيا ، حيث ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إن الإجراءات الموجهة ضد روسيا ستشمل هيئات وأفراد ، وسيتم تشديدها رداً علي ما اعتبرته لندن بمثابة "تصعيد روسي" في شرق أوكرانيا.
وكان البيت الأبيض قد أعلن أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ، وقع أمراً تنفيذيا يحظر التجارة والاستثمار والأنشطة الاقتصادية الأمريكية في جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الواقعتين شرق أوكرانيا التي اعترفت روسيا باستقلالهما أمس. ويحظر الأمر التنفيذي، بحسب البيان، الاستثمارات الجديدة واستيراد أي سلع أو خدمات أو تكنولوجيا من المنطقتين المعنيتين، إلى الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة