من يظن أن الحرب الروسية الأوكرانية، والعملية العسكرية التي بدأها الجيش الروسي فجر اليوم بعيدة عن الشأن المحلى أو خريطة القوى في منطقة الشرق الأوسط، لا يدرك حجم المخاطر الحقيقية التي تترتب على هذه الحرب، خاصة النواحي الاقتصادية، فبعد ساعات قليلة من صافرات الإنذار في إقليم دونباس، ارتفع سعر برميل البترول بنحو 6.5%، ووصل إلى مستوى قياسي متجاوزا الـ 100 دولار للبرميل.
ماذا حدث في الساعات الأولى فجر اليوم الخميس بين روسيا وأوكرانيا؟
حتى تتسنى الإجابة على هذا السؤال يجب أن نشرح أولاً خريطة أوكرانيا، ونقاط التماس المباشرة مع روسيا وحلفائها، "كييف" تقع في شرق أوروبا، وتتشارك في الجزء الأكبر من حدودها مع روسيا من جهة الشرق، وبيلا روسيا، الحليف الموالي لموسكو من جهة الشمال، ثم عدد من دول شرق أوروبا من الاتجاه الغربي مثل بولندا وسلوفاكيا والمجر، وتطل على البحر الأسود من الاتجاه الجنوبي، ومنه ناحية الغرب قليلا تقع مولدوفا ورومانيا، وبذلك تصبح أوكرانيا مطوقة من الشمال والشرق وجزء من الجنوب عبر روسيا وحلفائها.
كيف بدأت الحرب؟
شنت روسيا هجوما على إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، وهى منطقة تضم عدد من المدن الأوكرانية، وتتميز بوجود عشرات المجمعات الصناعية، ومناطق للصناعات الثقيلة من بينها صناعة الصلب، وتتميز بكثرة ثرواتها من الفحم، وتضم مدينتي دونيتسك ولوجانسك اللتين اعترفت روسيا باستقلالهما كجمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا، خلال الأيام الماضية، إلا أن البعض يصف العملية باعتبارها حرب شاملة، والبعض الآخر يراها حصار وتقليم أظافر، لكن ما حدث على أرض الواقع هو أن روسيا أحدثت حالة من الشلل في المطارات الواقعة شرق وشمال أوكرانيا، وكذلك بطاريات صواريخ الدفاع الجوي، ومخازن الأسلحة المدعومة من أمريكا وحلف الناتو، تمهيدا لعملية حصار كامل إن لزم الأمر.
ما الأسلحة التي استخدمتها روسيا في عملية أوكرانيا فجر اليوم؟
لم تقدم روسيا معلومات كافية عن طبيعة الأسلحة المستخدمة في ضرب إقليم دونباس الأوكراني، لكنها قالت إنها شديدة الدقة، ونجحت في تحييد الدفاع الجوي والطيران الأوكراني، بما يعنى أن سماء أوكرانيا مفتوحة من جهة الشرق ويمكن بسهولة السيطرة عليها وإجهاض أي تحركات برية مستقبلية، كما أن عملية بناء دفاعات جوية أو مطارات جديدة قد تستغرق شهور طويلة، ربما سنوات، وبذلك حرم "بوتين" الجيش الأوكراني من أي امتيازات أو دعم كان منتظر تقديمه من حلف الناتو، كما أن "بي بي سي" أشارت إلى أن الأسلحة التي تمت بها العملية صواريخ كروز، لكن ربما الموضوع أعقد من ذلك وله علاقة أيضا بمنظومة الحرب الإلكترونية، التي تحرز روسيا تقدما واضحاً فيها.
لماذا تعارض روسيا دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو؟
بوتين وإدارته ترى في دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو تهديداً مباشراً لحدودها الجنوبية، وعدوان على المناطق التي تدين لها بالولاء الكامل في إقليم دونباس، وفى الجنوب حيث شبه جزيرة القرم، ودخول الناتو في تلك المنطقة يحرم روسيا من نفوذها، خاصة أن موسكو ترى إقليم "دونباس"، امتداد طبيعي وجغرافي لها، بل وفقا للتقارير الدولية فإن هناك أكثر من 800 ألف مواطن بهذه المنطقة يحملون جنسيات روسية، كما أن دونيتسك التي يصل عدد سكانها إلى 2.5 مليون نسمة، ولوجانسك، 1.5 مليون نسمة، باتت أراضي روسية، تخضع لسيطرتها الكاملة، فلم يعد من المقبول أن يدخل الناتو إلى تلك المنطقة.
هل نتوقع أن تحتل روسيا أوكرانيا وتدخل إلى العاصمة كييف خلال الفترة المقبلة؟
التقديرات تشير إلى عدم احتمالية حدوث هذا السيناريو، وأتصور أن الجيش الروسي نفذ ما كان يخطط له، واستطاع تحييد أوكرانيا أو حلف الناتو من القيام بأى عمليات عسكرية على الحدود المشتركة بينهما، لذلك لن يحتاج إلى المزيد من التحركات العسكرية الجديدة خلال الفترة المقبلة، إلا في حال تحرك الجيش الأوكراني شرقا، فهنا تصبح المواجهة حتمية، لكن أظن أن أوكرانيا أو حتى الناتو لن يغامروا بهذا التصرف، خاصة أنهم يعلمون جيدا قدرة القوات المسلحة الروسية على صد أي هجوم، بالإضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة المتوقعة حال هذا السيناريو.
هل تتراجع روسيا عن موقفها وتتحرك بقواتها مرة أخرى ناحية حدودها الجنوبية؟ لا أظن، فالعقيدة الروسية تتمسك بالأرض دائماً، ولن تترك أماكن نفوذها أو المواقع التي سيطرت عليها، حتى في حال تسوية الأزمة، وعدول أوكرانيا عن الدخول إلى حلف الشمال الأطلنطي، لذلك قد يستمر هذا الوضع المعقد لسنوات دون حلول حاسمة.
كيف يتأثر العالم من الحرب الروسية الأوكرانية؟
التأثيرات الاقتصادية للحرب أعقد بكثير من أي تبعات أخرى، خاصة ما يتعلق بإمدادات البترول والغاز حول العالم، فقد صعدت الحرب سعر برميل البترول بنسبة 6.5 % دفعة واحدة، وسوف يستمر هذا الصعود مادام التوتر قائماً، بالإضافة إلى تأثر بورصات العالم، خاصة أوروبا وأمريكا سلباً، نتيجة المخاوف المستقبلية من سيناريو حرب عالمية جديدة في شرق أوروبا، بالإضافة إلى التحديات الصعبة التي تعيشها بعض الدول نتيجة ارتفاع التضخم وتباطؤ معدلات النمو.
هل تؤثر أزمة روسيا وأوكرانيا على واردات القمح المصرية؟
الحكومة أعلنت أنها وضعت خطة لخلق بدائل عملية لواردات القمح حال استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة أن نسبة كبيرة من واردات مصر من هاتين الدولتين، وقد أكد المتحدث باسم الحكومة أنه تم وضع خطة لاستيراد القمح من 14 دولة، لذلك على المواطن المصري أن يطمئن، إلى جانب أن مخزون القمح في الصوامع يكفي لمدة 4 أشهر مقبلة، وكذلك موسم القمح الجديد سوف يبدأ خلال شهرين على أقصى تقدير، وهو يغطى حوالي 55% من الاحتياجات المحلية، أي ما يقرب من 7 أشهر إضافية، لكن التبعات السلبية للحرب قد تتركز في ارتفاع أسعار المواد البترولية، والواردات من مختلف الدول الأوروبية، بما يعنى تكلفة أكبر على الاقتصاد.