مشاهد صاخبة، مليئة بالدلالات العميقة، سياسيا واستراتيجيا، فى خطة روسيا للدفاع عن أمنها القومى _من وجهة نظرها_ باجتياح الجارة، والإرث التاريخى، أوكرانيا، بعد قرارها الارتماء فى حضن أقوى تحالف عالمى حاليا (الناتو) والعدو التاريخى لروسيا. وفى مقالنا هذا، نركز على ثلاثة مشاهد جوهرية، لم تحظ بالاهتمام المناسب، رغم أهميتها، كانت رسائل للرئيس فلاديمير بوتين، يعلن من خلالها عودة روسيا كقوى وإمبراطورية عظمى.
(المشهد الأول)
رسالة تاريخية، واستعراض عضلات من جانب الرئيس فلاديمير بوتين، صاحب القريحة القوية، والخبرات المتراكمة، كونه يحكم بلاده منذ 20 عاما، وذلك أثناء استقبال نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مؤخرا وقبل أن تتعالى أصوات المجنزرات والطائرات، وانطلاق الصواريخ، تجاه أوكرانيا، عندما جلس بوتين متباعدا عن ضيفه، كل منهما يجلس على رأس المائدة، وفسرها البعض تفسيرات، مختلفة، بعيدة كل البعد عن الهدف الحقيقى.
هدف بوتين الحقيقى من مشهد جلوسه مع ماكرون، متباعدا إظهار عظمة روسيا وتاريخها العريق، عندما توسط المشهد تمثال القيصر إسكندر الثاني فى القاعة، بحيث يكون التمثال فى مواجهة ماكرون.
الباحث والأكاديمي الفرنسي فابريس بالانش علق على المشهد في تغريدة له على موقع التدوينات القصيرة تويتر، قائلا: "إسكندر الثاني هو القيصر الإصلاحي الذي ألغى العبودية، وكان له دور بارز فى تحديث روسيا، لكنه القيصر الذي قمع ثورة الشعب البولندي عام 1863 تحت أنظار الإمبراطور الفرنسي "نابليون الثالث" الملقب بنابليون الصغير، والذي لم يتجّرأ على النطق بشطر كلمة من اعتراض.
المشهد، رسالة واضحة، لأوروبا وأمريكا، عبر البوابة الواسعة، فرنسا، متمثلة فى رئيسها ماكرون، تقول: نذكركم بتاريخ الإمبراطورية الروسية العظمى!.
(المشهد الثانى)
قصة الساعة، وبطلها موقع مهتم بالأخبار الأمنية، عندما ربط وبشكل محترف، التوقيت الزمنى حسب الساعة المحلية للعاصمة الروسية موسكو، لإذاعة الفضائيات ووسائل الإعلان الروسية، خبر اجتماع مجلس الأمن القومى الروسى، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وكان عند الساعة الرابعة و52 دقيقة مساءً.. لمناقشة قضية الاعتراف بكل من لوجانسك ودونيتسك، كجمهوريتين مستقلتين.. فبينما كانت تشير عقارب الساعة التى يرتديها كل من وزير الخارجية ووزير الدفاع الروسيان أثناء الاجتماع إلى الحادية عشرة و45 دقيقة، كانت عقارب ساعة عمدة موسكو فى نفس الاجتماع تشير إلى الثانية عشرة و10 دقائق.. وأثناء إلقاء وزير الدفاع كلمته، كانت عقارب ساعته تشير إلى الساعة الثانية عشرة و46 دقيقة.. ثم ظهر الرئيس فلاديمير بوتين فى بث آخر، بعدها بساعات وهو يقر ما اتفق عليه فى اجتماع مجلس الأمن القومى، بتوقيع مرسومين يعترف فيهما بالجمهوريتين المستقلتين بحضور الرئيس المفترض لكل جمهورية، كانت عقارب ساعته تشير إلى العاشرة والربع، وكذلك تتطابق عقارب ساعتى الرئيسين المفترضين فى نفس الزمن، العاشرة والربع، وهو ما يعنى من خلال هذا السرد وما كشفته عقارب الساعات المختلفة، أن توقيع الرئيس بوتين على مرسومى الاعتراف، سبق انعقاد اجتماع مجلس الأمن القومى الروسى، وأن الاجتماع مجرد ديكور سياسى فقط!.
والمفاجأة.. أن الرئيس بوتين انتبه لهذه النقطة، بحسه الاستخباراتي، فقرر خلع الساعة من يده ووضعها أمامه، وهو ما يفسر السبب الحقيقى لقرار بوتين خلع ساعته ووضعها أمامه!.
(المشهد الثالث)
إعلان الرئيس فلاديمير بوتين، أن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، واقترابه من شواطئ البحر الأسود، خط أحمر، لا يمكن قبوله، ودونها الرقاب. فتختفى المناقشات وتتوقف الحوارات السياسية، عندما يتهدد الأمن القومى للدول، ويرتفع فقط صوت المدافع والصواريخ وأزيز الطيران. فالأمن القومى والعمق الاستراتيجي للدول، خطوط حمراء، تحميها القوة!