على مدى السنوات الثمانى الأخيرة، أعادت الدولة المصرية بناء علاقاتها الأفريقية، بشكل استراتيجى، واضعة فى الاعتبار أهمية الدائرة الاستراتيجية الأفريقية، تحت شعار أرساه الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو الشراكة والتعاون مع العالم كله وكل دوائره، وبشكل خاص مع دول القارة السمراء، من هنا تأتى أهمية زيارة الرئيس الجيبوتى إسماعيل عمر جيلة إلى مصر، ومباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى اتسمت بالصراحة والشفافية، وعكست مدى تقارب وجهات النظر بين مصر وجيبوتى حول الكثير من الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية محل الاهتمام المشترك، بجانب التعاون الثنائى بين البلدين فى القضايا الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
كان الرئيس السيسى أول رئيس مصرى يزور جيبوتى فى مايو الماضى، منذ استقلالها عام 1977، وهذه الزيارة للرئيس جيلة تعد تأكيدا للعلاقات الاستراتيجية الممتدة على كل الأصعدة، مدعومة بإرادة سياسية قوية ومتبادلة للارتقاء بها وتعزيزها.
وتشمل العلاقات بين مصر وجيبوتى، كما أكد الرئيس السيسى، تعزيز التعاون فى مجالات النقل وربط الموانئ، وإقامة منطقة لوجستية بين مصر وجيبوتى، وتسيير خط طيران مباشر بين القاهرة وجيبوتى، وفتح فروع لبنك مصر فى جيبوتى، إلى جانب التعاون المشترك فى مجالات التعليم، والتعليم العالى، والصحة، وتعزيز التعاون فى مجال الطاقة والصناعة والبنية الأساسية، فضلا عن مجال مكافحة الفكر المتطرف وتأهيل الدعاة، عبر نشر قيم الإسلام الوسطى من خلال المؤسسات الدينية العريقة بالبلدين، وعلى رأسها الأزهر الشريف.
رئيس جيبوتى عمر جيلة، أكد بالمؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس السيسى بقصر الاتحادية، أنه تم الاتفاق على أهمية الانطلاق بعلاقات البلدين إلى آفاق جديدة رحبة من خلال تطوير أطر التعاون فى شتى المجالات والميادين ذات الأولوية، وفى مقدمتها المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعية والصحية والسياحية والأمنية والثقافية وقطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية، وبناء القدرات بما يمهد لمرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين الشقيقين.
تحتل جيبوتى موقعا استراتيجيا على البحر الأحمر، يتعلق بأمن الممر، أمن البحر الأحمر كشريان بحرى استراتيجى للإقليم وللعالم، وهو ما يتطلب تنسيقا وتعاونا فى إطار تأمين طرق التجارة، وهو ما تحرص عليه مصر وجيبوتى، ومن هنا فقد تناولت مباحثات الرئيسين السيسى وجيلة، الأوضاع الإقليمية فى منطقة القرن الأفريقى وأمن البحر الأحمر، فى ضوء ما تحتويه من بؤر توتر من المهم احتوائها، فضلا عن العمل على ترسيخ الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة المهمة من قارتنا، إضافة إلى تكثيف التعاون والتنسيق، فيما يتصل بأمن البحر الأحمر، وأعادا التأكيد على مسؤولية الدول المشاطئة عن صياغة جميع السياسات الخاصة بذلك الممر المائى الحيوى من منظور متكامل يأخذ فى الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية.
وكان طبيعيا أن تتطرق مباحثات الرئيسين إلى تطورات ملف سد النهضة، والتأكيد على ما تتحلى به مصر من إرادة سياسية تهدف إلى التوصل لاتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة فى إطار زمنى مناسب، بما يعزز من الأمن والاستقرار الإقليمى، استنادا إلى قواعد القانون الدولى ومقررات مجلس الأمن، حيث إن مصر لديها تصور واضح فيما يتعلق بهذا الملف، انطلاقا من حرصها على تنمية إثيوبيا وأيضا على حق مصر والسودان فى نهر النيل، حيث تدعم مصر التنمية فى أفريقيا، وهناك مشروعات تعاون منها قيام شركات مصرية بإقامة سد نيريرى فى تنزانيا، بجانب مشروعات تعاون مع دول حوض النيل، ضمن رؤية تعتبر التعاون أفضل من الحلول الفردية، لأن مصر لديها رغبة كبيرة فى فتح آفاق التعاون مع دول أفريقيا ودول حوض النيل.
من هنا تواصل مصر توسيع وتمتين علاقاتها مع الأشقاء فى أفريقيا، ضمن استراتيجية الشراكة والتعاون، لبناء علاقات قادرة على البقاء، تلبى مصالح كل الأطراف.