أحمد جمعة

العراق الجريح

الأحد، 13 مارس 2022 06:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في عالم لا يحترم سيادة الدولة واستقلالها خلال العقود الأخيرة، يعيش العراق حالة من عدم الاستقرار نتيجة المحاولات الحثيثة لأطراف إقليمية لإقحام البلاد في صراعات لا ناقة ولا جمل للعراقيين فيها، وذلك في محاولة لتحويل "بلاد الرافدين" إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة دون النظر إلى رغبة العراقيين في تحييد بلادهم عن هذه تصفية الحسابات بين الدول.

الشعب العراقي الأصيل والمتمسك بعروبته دفع خلال العقدين الماضيين فاتورة باهظة من دماء أبناءه بسبب الغزو الأمريكي للبلاد بحجج وذرائع واهية، ما دفع أطراف إقليمية دولية إلا الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفائها على الأراضي العراقية، وهو ما أدى لسقوط آلاف الشهداء العراقيين وإصابة عشرات الآلاف الأبرياء ونزوح مئات الآلاف إلى خارج البلاد.

سنوات طويلة عاش العراق فيها وضع اقتصادي صعب نتيجة الغزو الأمريكي مرورا بسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من البلاد، بالإضافة لانتشار ظاهرة الفساد في عدة مؤسسات بالبلاد ما دفع عدد من المؤسسات الدولية والممولة لتجنب الدخول في السوق العراقي رغم الفرص الاستثمارية الواعدة في البلد العربي الشقيق.

منظمة الشفافية الدولية كشفت في تقريرها الصادر عام 2021 عن احتلال العراق المركز الـ 157 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد حيث فشلت البلاد في تحقيق تقدم لمكافحة هذه الظاهرة، وذلك لعدة أسباب أبرزها عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد نتيجة تعثر جهود تشكيل حكومة جديدة، وعدم وجود إرادة حقيقية للقضاء على هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير وواسع داخل المؤسسات العراقية.

ارتفاع إيرادات النفط العراقية بنسبة 123 % على أساس سنوي خلال 2021 بتحقيق 75.65 مليار دولار، بعد تحسن أسعار الخام العالمية، يشير إلى الإمكانية الضخمة والواعدة التي يمتلكها العراق لكن المواطنين لا يشعرون فعليا بأي تحسن حقيقي وملموس في بلادهم نتيجة العمليات الإرهابية التي تعصف بعدد من المدن، ومحاولات أطراف إقليمية لتحويل العراق إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، فضلا عن عدم وفاء عدد كبير من الدول بالتزاماتها تجاه العراق للشروع في عملية إعادة اعمار حقيقية في البلاد، وهو ما سيدفع نحو تحقيق استقرار ملحوظ حال تحركت العجلة الاقتصادية في البلاد.

عملية استهداف أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق ( يحظى بحكم ذاتي) يأتي في إطار المحاولات التي تجري لإقحام الدول العراقية في صراعات إقليمية ودولية واسعة، وهو ما يتطلب ضرورة تضافر كافة الجهود العراقية لتقوية مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة قوية بعيدا عن المحاصصة الطائفية التي دمرت البلاد خلال السنوات الماضية، فضلا عن أهمية وجود دور عربي قوي وداعم للعراق لإعادته لتعزيز فكرة حضوره عربيا بعيدا عن أي محاولات لاستنزاف قدراته وثرواته في صراع إقليمي قد يودي بالبلاد إلى حافة الهاوية.

الواقع الذي يعيشه "العراق الجريح" و "سوريا المدمرة" و "ليبيا المستنزفة" يحتاج من الدول العربية إلى موقف موحد وداعم لهذه الدول للحفاظ على أمنها واستقرارها، وإبعادها عن أي مخططات لـ"أفغنة" هذه الدول خلال السنوات المقبلة والشروع في بناء وإصلاح ما تم تدميره، والدفع نحو الحلول السياسية بعيدا عن الصراعات العسكرية التي تغذيها أطراف إقليمية ودولية لديها هدف خفي يستهدف وحدة وسيادة الدول العربية ويسعى لتقسيمها إلى دويلات على أسس طائفية ومذهبية.

سيناريو أفغانستان هو أخطر السيناريوهات التي حدثت خلال العقود الماضية نتيجة الانسحاب الأمريكي بعد عقود من الصراع على الساحة الأفغانية سواء باستقطاب مقاتلين أجانب أو بتوفير "حاضنة" للجماعات المتطرفة وعدم قدرة الأمريكان على بناء مؤسسات أمنية وعسكرية في البلاد، وهو السيناريو الذي حاولت عدد من الدول لتكراره في بعض الدول العربية إلا أن يقظة الشعوب الحرة أفشلت هذه المخططات بشكل نسبي لكنها تبقى قائمة إلى حين وجود إرادة حقيقة للحفاظ على القرار الوطني المستقل داخل وطننا العربي بعيدا عن صراعات وأجندات الدول الكبرى.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة