وصلنا إلى الحلقة الثالثة من «مسيرة طويلة نحو التمكين» التى ناقشنا خلالها مكانة المرأة ومسيرتها فى البحث عن حقوقها، وتوقفنا فى الحلقتين السابقتين عند الحضارات القديمة وعند الأديان السماوية، واليوم نتوقف مع الدستور المصرى نموذجًا لما حققته المرأة.
فى البداية وجب القول إن المرأة المصرية ظلت محرومة من حقوقها السياسية فى مصر حتى صدور دستور 1956، فمن بعدها صار من حقها أن تنتخب من يمثلها فى البرلمان، وأن ترشح نفسها لعضوية المجالس النيابية، ففى المادة الأولى من دستور 1956 جاء أنه «على كل مصرى وكل مصرية بلغا ثمانى عشرة سنة ميلادية، أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية وهى إبداء رأيه فى الاستفتاء الذى يجرى لرئاسة الجمهورية وكل استفتاء آخر ينص عليه الدستور، وكذلك انتخاب أعضاء كل من مجلس الشعب، ومجلس الشورى، والمجالس الشعبية المحلية».
وفى دستور سنة 1971 نصت المادة «40»: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
ونص الدستور المصرى الصادر فى عام 2014 لأول مرة، على الاهتمام بقضايا المرأة بدءًا من ديباجة الدستور ويتضمن أكثر من 20 مادة تخاطب المرأة بشكل مباشر بما يكفل للمرأة الفرص المتكافئة ومشاركتها فى المجتمع والمساواة بينها وبين الرجل فى الحقوق بدون تمييز، كما ذكرها صراحة 8 مرات، وفى ذلك دلالة كبرى.
أكد دستور 2014 فى المادة 11 على ما يلى:
تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية على النحو الذى يحدده القانون، وتكفل الدولة للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها.
حرص الدستور فى مادته 180 على تخصيص 25% من مقاعد المجالس المحلية للمرأة، وبالتالى يصبح عدد المقاعد المخصصة للمرأة 13.500 مقعد.
وتمنح المادة 6 الحق للمرأة المصرية فى نقل الجنسية لأطفالها، وتمنح المادة 214 على استقلالية وحصانة المجلس القومى للمرأة، والحق فى مراجعة جميع التشريعات المتعلقة بالمرأة قبل صدورها.
وتكفل المادة 17 توفير الخدمات الاجتماعية، تحدد المادة 19 سن التعليم الإلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية، وهو تحرك غير مسبوق فى مواجهة الزواج المبكر.
تنص المادة 93 على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر، والتى تعتبر لها قوة القانون.
وبعد إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة فى إبريل 2019 تم تخصيص ربع مقاعد مجلس النواب للمرأة مثلما ورد بالمادة 102 المعدلة، هذا إلى جانب العديد من المواد الدستورية التى أكدت على عدم التمييز بين الجنسين فى كل الحقوق والواجبات، وهى المواد «8، 9، 17، 19، 74، 80، 81، 83، 181،180، 214، 244 المعدلة».
ولو توقفنا عند شرح بعض هذه النصوص نجد:
فى خطوة لتطبيق مبدأ المساواة، نصت المادة السادسة من الدستور المصرى على «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقًا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله وينظمه القانون، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية»، وقد كرست هذه المادة حق المرأة فى إعطاء جنسيتها لأولادها والذى كانت قد حصلت عليه فى تعديل قانون الجنسية فى عام 2004، وقد أقرت هذه المادة، بما لا يدع مجالاً للشك أو الجدل، أن جنسية الأولاد من أم مصرية هى جنسية «أصيلة» تستند إلى حق الدم وليست جنسية مكتسبة، وبناءً عليه يتم إقرارها عند الميلاد دون الحاجة لإجراءات أو موافقة وزارة الداخلية، تمامًا كما هو وضع الأطفال من أب مصرى.
ورغم مطالبة العديد من المنظمات النسائية بإقرار «كوتا» للمرأة فى البرلمان، رفضت لجنة الخمسين إقرار «كوتا» لأى فئة مجتمعية أو طائفة دينية فى المجلس النيابى، واكتفت بالنص فى المادة 11 على الآتى: «تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون»، وبناءً عليه، ألزم الدستور الدولة «بالتزام بذل عناية» عند وضع قانون الانتخاب من دون أن تكون بالضرورة ملزمة بتحقيق هذا التمثيل، وبذلك، بإمكان القانون أن ينص على إدراج المرأة على القوائم الانتخابية، أو إدراجها على الثلث الأول من القائمة إذا تمت الانتخابات بنظام القوائم، ويكون بذلك قد عمل القانون على تمثيل المرأة دون أن يضمن ذلك ودون أن يقر كوتا.
فى المقابل، أقر الدستور المصرى كوتة للمرأة فى المجالس المحلية المنتخبة هى «ربع المقاعد»، وتعد هذه الخطوة إيجابية فى طريق تحقيق تمثيل للمرأة فى البرلمان، وتغيير الصورة النمطية للمرأة فى المجتمع، فمن أسباب عدم تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى مجلس النواب هو رفض قطاع من المجتمع المصرى تمثيل المرأة له وقلة عدد النساء المعروفات لدى الناخبين فى الدوائر الانتخابية، وبما أن المجالس المحلية تكون على علاقة مباشرة بالمواطن، ينتج من تمثيل المرأة فيها بناء قاعدة جماهيرية وتاريخ سياسى فى «الدائرة الانتخابية» التى تنتمى إليها، ما يرتب لاحقًا ارتفاع نسب انتخابها فى مجلس النواب.
وبناء على ذلك يمكن القول إن دستور مصر 2014 حقق للمرأة المكانة التى تستحقها وضمن حقوقها بنصوص دستورية، ولا يملك البرلمان الانتقاص منها أو تعطيلها، ولو بقانون، تحت ستار تنظيمها، فكل قانون يصدر لتنظيم ممارسة الحقوق والحريات لا يجوز له أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها «م 92 من الدستور».
لقد وصلنا إلى نهاية سلسلة «مسيرة طويلة للتمكين» والتى حاولنا خلالها أن نتتبع كيف نظرت الأدبيات الكبرى إلى المرأة وكفاحها الطويل لتحقيق ذاتها، والملاحظ أن الثقافات تنوعت فى نظرتها للمرأة، لكن الحضارة المصرية القديمة امتازت برؤيتها المعتدلة فقد منحت المرأة مكانة عالية ونظرت إليها نظرة ثقة، كذلك فإن الأديان خاصة المسيحية والإسلامية نظرتا إلى المرأة على أساس كونها النصف الآخر للإنسان لها ما يخصها ولها ما يشترك مع الرجل، أما الدساتير، فقد لا حظنا كيف نظر دستور 2014 إلى المرأة ومنحها الكثير من حقوقها لقد أنصفها الدستور ومنحها ما يليق بها بكونها لا تختلف شيئا عن الرجل. وبدأت «اليوم السابع» من عدد أمس الجمعة، فى سلسلة خاصة، رصدت قصص نجاح عظيمات وقفن فى ظهر مصر، وحصلن على الكثير من المكتسبات فى عهد الرئيس السيسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة