المخرجة الإسبانية إينيس توهاريا فى فيلمها التسجيلى، "الفيلم، السجل الحى لذاكرتنا"، تطرح موضوعًا شديد الأهمية، وعلى قدر أهميته، فإنه يثير العديد من الأسئلة حول التراث السينمائى والذاكرة الأرشيفية، وما يتعلق بها من استفهامات معلقة وربما صور متخيلة.
فالفيلم المشارك فى مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة بالدورة 23 مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، تحضر فيه السينما تفصيلا وعمومًا، تذهب إلى الماضى وتعود إلى الراهن، لتطرح أسئلة الصورة والتسجيل، التوثيق والأرشفة والتأريخ البصرى لأفلام تشكل الرصيد السينمائى على نحو 125 عامًا أو أكثر، وتشترك فى كونها جزء مهم من ذاكرتنا الإنسانية.
يظهر فيه أمناء أرشفة الأفلام والمنسقون والفنيون وصانعو الأفلام من جميع أنحاء العالم، يتحدثون عن قيمة الأفلام وضرورة الحفاظ عليها، يتذكرون ويحللون ويعيشون الحالة، بحيوية وصدق ووعى ومعرفة، كما يظهر كيف يسهم تقدم التكنولوجيا الرقمية فى صيانة وتجديد ما تبقى من التراث السمعى والبصري، بينما نفتقد الحضور المصرى فى هذا الفيلم، فنشعر بخيبة الأمل، قد لا نتجاوز السؤال: لماذا لم يستطع صانع الفيلم التواصل مع التجارب المصرية الفردية، تعويضا على الغياب الرسمى؟ فالسؤال يجيب عن نفسه! لكننا نستوعب أكثر ما تعانيه السينما المصرية بالقدر الذى يقودنا إلى سؤال آخر: ماذا يبقى للسينما أو منها؟
السؤال الذى يحاول أن يجد ما يعيد ترتيب أجزاء من الصورة السينمائية بما يليق بها وبالذاكرة التى تكاد أن تمحى وتضيع بالإهمال، وينحو صوب مشروع يحمى الصورة السينمائية المصرية، يكون أداة تواصل وانفتاح بين الماضى والحاضر وجسرًا للمستقبل، ومنه ندرك أهمية الخطوة التى اتخذها مهرجان الاسماعيلية، فى ترميمه لثلاثة من الأفلام التسجيلية للمخرج الكبير خيرى بشارة:" طائر النورس، يوميات طبيب فى الأرياف، صائد الدبابات"، فى إطار تكريمه والاحتفاء ببداياته التى باشرها بالسينما التسجيلية، هذا التكريم الذى تم خلاله أيضًا توقيع كتابه "خيرى بشارة .. السينما والواقع".
أفلام خيرى بشارة الثلاثة تم ترميمها فى مصر، بينما فيلم "كرسى توت عنخ آمون الذهبي" من إخراج شادى عبد السلام، فقد تم ترميمه فى فرنسا وذلك لأسباب تقنية منها أن الفيلم 16 ملي، ما يعنى أنه احتاج إلى تقنيات متوفرة هناك بشكل كبير، وكانت نسخته المتوفرة قبل الترميم شديدة السوء، وقد عرض الفيلم ضمن احتفالية المهرجان بمرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.
حسنا، أن الترميم سعى إليه المركز القومى للسينما، الجهة المنظمة للمهرجان، بدأب شديد من المخرج سعد هنداوى رئيس المهرجان، ودعم من وزارة السياحة والآثار، لذلك فإن الاستمرار على هذا المنوال، يجب أن يكون هو الخط الذى يرسم الخطوات المقبلة، فالاهتمام بترميم تراثنا السينمائى هو جزء من حماية آثارنا ككل، وإذا كان مهرجان الاسماعيلية اهتم بهذه النقطة، فأتمنى أن تعمم على بقية مهرجانات مصر، أن يتولى كل مهرجان ترميم بعض الأفلام بالتعاون مع وزارة الآثار والثقافة، فهذا أمر لا يخص الشأن المصرى فقط، بل الإنسانى، بدليل أن مؤسسة سينمائية كبيرة مثل مؤسسة "مارتن سكورسيزي" سبق وأن قامت بترميم فيلم "المومياء " لشادى عبد السلام.
لدينا تاريخ كبير فى صناعة الأفلام، ونحتاج خطة كبيرة للحفاظ عليها وتخزينها، والأمر لا يتعلق بالترميم فقط، بل بالحاجة المُلحة إلى حفظ الإرث السينمائى عمومًا، وإنشاء سينماتيك لا يكون فقط محط الأنظار، بل يكون مشروعًا ضخمًا لحفظ الإرث السينمائى، عبر الأساليب المعاصرة من خلال وسائل التكنولوجيا الحديث، وهذا حديث آخر نتناوله قريبًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة