رأت الشاعرة سارة عابدين، أن أحد الأسباب التى دفعت الشاعر أو الأديب بشكل عام إلى الاهتمام بالقضايا الذاتية، فى مقابل تخليه عن القضايا الكبرى، أو القضايا العامة فى وطنه، هو الواقع الذى كان يعيشه، وأنه يمكننا أن ننظر لبداية هذا الواقع مع الحرب العالمية، فحينها كان الخراب أكبر مما يمكن للإنسان تخيله أو الكتابة عنه، ومن هنا رأى الشاعر أو الأديب أن التعبير عن الهم الذاتى تجاه الواقع يمكن من خلال رؤيته الذاتية.
وقالت سارة عابدين، خلال تصريحات صحفية لـ"اليوم السابع" تعليقا على قضية فقدان الشعر للدور الإعلامى منذ القرن العشرين، التى تحدث عنها الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، أن الشعر ظل لعقود طويلة هو لسان حال العرب، الذى يعبرون من خلاله عن القضايا الكبرى أو المناسبات العامة، وهو ما تجسد مثلا فى ارتباط الشعر العربى بقضايا مثل الاحتلال أو النكسة أو العروبة أو القومية، أو الفخر، أو الانتصار، وكذلك الهجاء، فهى فى المجمل قضايا عامة، حتى جاءت فترة وتخلى الشاعر أو الأديب عن الاهتمام بالتفاعل مع مثل هذه القضايا العامة، فى مقابل الاهتمام بالأمور الذاتية.
ورأت سارة عابدين أن يمكننا أن أتصور أن البداية قد تكون منذ زمن الحرب العالمية، ففى تلك الفترة كان الخراب العالمى دافعا كبيرا للشعراء والفنانين للتعبير عن رؤيتهم حول هذا الخراب من منظور ذاتى، ومن هنا لجأ الشاعر إلى الرموز والإشارات، وتدريجيا أصبحت الرموز نفسها مبهمة وغامضة بالنسبة للقارئ، الذى لا يعرف الثقافة التى ينطلق منها الشاعر، أو ما يريد الشاعر قوله، ومن هنا أيضا جاء تعدد الدلالات.
بالإضافة إلى ذلك، أوضحت سارة عابدين أن القضايا الكبرى فى السابق، كانت تحظى بمصداقية أو باتفاق عام بين الجميع عليها، لكن على مدار المائة سنة الماضية، أو الخمسين سنة الماضية فى مصر، تلاشت هذه الأفكار الكبيرة فى الشعر، ووجدنا أنفسنا أمام حالة من التشظى والتشتت أمام الهم العام، ولأن الشاعر جزء من المجتمع، وجد الشاعر نفسه مغتربا، وأن الحالة العامة تتمثل فى الرؤية الذاتية، التى هى بالمناسبة، حالة عالمية يدعوه إليها العالم، وتتمثل فى الترسيخ للكتابة الذاتية، ومن هنا تعمق الشاعر فى ذاته، واهتم بالتعبير عنها بالطريقة التى تناسبه.
ومع العصر الحديث الذى يراه الكثيرون قاتلا للفنان، وأحد أهم الأسباب التى تجعله يشعر بالاغتراب والعزلة، ويدفعه للحديث عن نفسه، أصبح الفنان مثل أى إنسان فى حاجة ماسة للحديث عن نفسه، فما بالك بالفنان الذى يجد العالم يطالبه بذلك، ويجد هو نفسه راغبا فى التعبير عن نفسه.
كشاعرة سعيدة بأن شعر المناسبات تراجع، لأن التلقى يختلف ثقافيا من شخص إلى آخر، فالمتلقى الذى يعجبه شعر القضايا الكبرى أو المناسبات، يعود ذلك لعدة أسباب، أهمهما أنه عايش تلك الفترة، أما أنا على المستوى الشخصى فأحب الإغراق فى الذاتية، فحتى لو تأثر الشاعر فى يومنا هذا بالمجتمع، فهو يتحدث عن هذا التأثير عليه، وليس عن تأثير المجتمع، فالعالم أجمع يتحدث عن نفسه.
وحول رأيها عن وظيفة الشعر أو دوره فى المجتمع، رأت سارة عابدين أن العلوم الإنسانية تتشكل من خلال ما يعبر عنه الأدباء والفنانون فى أعمالهم، فالشعر مثلا يستكشف المشاعر الإنسانية، التى هى بالضرورة جزء من الإنسانية بشكل عام، وبالتالى فحينما يقرأ المتلقى يتشكل وعيه، وتصبح لديه القدرة على فهم نفسه، قبل فهمه للآخر، والعالم من حوله، وهذه هى وظيفة الفن والأدب، بغض النظر عن القضايا الكبرى، فالقضايا الصغرى الإنسانية والتى قد تكون هامشية لدى البعض، هى القضايا الهامة فى واقعنا الحالى.