موسى بن ميمون، عرف عند العرب بأبى عمران عبيد الله، هو طبيب وفيلسوف ولاهوتى يهودى، تحل اليوم ذكرى ميلاده، إذ ولد فى مثل هذا اليوم 30 مارس من عام 1135م، بمدينة قرطبة بالأندلس، وكان من طبيب البلاط السلطانى فى عهد الناصر صلاح الدين الأيوبى، وأحد المقربين منه.
ومكث موسى بن ميمون فى مصر فترة كبيرة، وبالتحديد فى مدينة الإسكندرية، مارس الطب وبعدما حصل على شهرة فى ذلك المجال، صار ابتداء منذ عام 1200م الطبيب الشخصى لصلاح الدين الأيوبى.
وقد حظى موسى بن ميمون باهتمام من قبل العلماء والباحثين عبر كل العصور، وكان من بينهم العالم الجليل الشيخ مصطفى عبد الرازق، أستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعة المصرية، والذى كما أعطى مثال واضح فى عدم العنصرية وتقبل الأخر، لدرجة أنه كتب مقدمه كتاب "موسى بن ميمون .. حياته ومصنفاته" للدكتور اسرائيل ولفنسون أستاذ اللغات السامية بدار العلوم.
ويقول الشيخ مصطفى عبد الرازق فى موسى بن ميمون، لليهود معظم الفضل فى تعريف المسيحيين بالفلسفة الإسلامية فى القرون الوسطى، وفى ذلك يقول جيوم تيوفيل تنمام الراحل عام 1819م فى كتابه "المختصر فى تاريخ الفلسفة": "أهم من حمل مذاهب العرب الفلسفية إلى المسيحيين هم اليهود نقلوها من بلاد الأندلس حيث كانت الهمم منصرفة بقوة إلى مدرسة العلوم. على أن اليهود أنفسهم ساهموا بقسط ظاهر فى عالم العلم ونشأ فيهم غير واحد من ذوى العقول الفلسفية، منهم الحبر موسى بن ميمون، الذى ولد بقرطبة وتخرج بدورس ابن طفيل وابن رشد، ودرس بنفسه كتب أرسطو ومن أجل ذلك كان طنينًا لدى المتعصبين من أهل ملته وقد تعقبوه بحقدهم حتى أدركه الموت عام 1205".
وأوضح الشيخ مصطفى عبد الرازق، كان اليهود فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر سفراء بين عرب الأندلس وبين الغربيين بما ترجموا من كتب كثيرة عربية إلى لغتهم العبرية التى كان الغربيون أعرف بها. ونقلت نفس هذه الكتب إلى اللغة اللاتينية فى تراجم أكثرها مشوه جدًا".
وتابع الشيخ مصطفى عبد الرازق، وفى هذا القول بيان للصلة الوثيقة بين فلسفة اليهود فى القرون الوسطى، وبين الفلسفة الإسلامية، وظاهرة أن درس هذه الحركة الفلسفية اليهودية ورجالها لأزم للإحاطة بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وأبو عمران موسى بن ميمون على الخصوص أجد بالعناية لأنه أعظم فلاسفة اليهود فى تلك العصور شأنًا، كما يقول فى كتابه "تاؤيخ الفلسفة": ولأنه تخرج بدروس الحكيمين الأندلسيين الكبيرين ابن طفيل وابن رشد. ثم هو قد عرض فى بعض كتبه لنقد مذاهب للفلاسفة الإسلاميين.
وقال الشيخ مصطفى عبد الرازق، إننى ممن يجعلون ابن ميمون وإخوانه من فلاسفة الإسلام، وقد قلت فى كلمة ألقيتها فى حفلة ابن ميمون بدار الأوبرا فى أول أبريل عام 1935م ما نصه : "أبو عمران موسى بن ميمون فيلسوف من فلاسفة الإسلام، فإن المشتغلين فى ظل الإسلام بذلك اللون الخاص من ألوان البحث النظرى مسلمين وغير مسلمين يسمون منذ أزمان فلاسفة الإسلام. وتسمى فلسفتهم فلسفة إسلامية بمعنى أنها نبتت فى بلاد الإسلام وفى ظل دولته، وتميزت ببعض الخصائص مع غير نظر إلى دين أصحابها ولا جنسهم ولا لغتهم.
أما عن علاقة بن ميمون بصلاح الدين الأيوبى ذكر الشيخ مصطفى عبد الرازق أن فى بعض كلام المؤرخين ما يشعر بأن صلة ابن ميمون بصلاح الدين الأيوبى ووزيره القاضى الفاضل لم تكن مجرد تقدير لقيمة ابن ميمون فى الطب والفلسفة بل كان السلطان الأيوبى ووزيره يعرفان أيضًا للحبر الفيلسوف مهارته وحذقه فى شئون السياسة.
وتراجم ابن ميمون تشير إلى أن الفضل فى جعله رئيسًا لكل يهود مصر على رغم ما كان يحيط به من عداوات وأحقاد، إنما يرجع إلى صلاح الدين ووزيره، وتشير إلى أن صلاح الدين كان ينتفع بما لابن ميمون من لطف التدبير، ومن المكانة والقبول عند اليهود اليمن فى تهدئة الثورات التى كانت تنزو بها تلك البلاد.