التحولات والتقاطعات السياسية التى تجرى فى العالم، ضمن إعادة ترتيب عناصر القوة والنفوذ والمنافسة، تحولات لها انعكاساتها على السياسة والاقتصاد، فى الشرق الأوسط وأفريقيا، بجانب تشابك القضايا الإقليمية وخرائط التطورات السياسية، وبالطبع فإن ما يجرى فى العالم والحرب فى أوكرانيا، والتى تتصل بأوروبا والعالم، وهى حرب لها انعكاساتها المباشرة على الاقتصاد والسياسة، فضلا عن أنها تستهلك الاهتمام من الدول والمنظمات الكبرى، وتفرض على الدول العربية والأفريقية أن تتعامل وتتعاون لمواجهة هذه التداعيات وتحديد اتجاهات التحالف والتنسيق.
إقليميا ودوليا تضع مصر فى اعتبارها الحفاظ على مصالح الدولة والاقتصاد، والمصالح العربية والأفريقية، وتحديد دقيق لخرائط التحرك وبناء العلاقات والمواقف المشتركة، وعلى مدار أسابيع لم تتوقف تحركات الدولة المصرية على كل الأصعدة، عربيا فى الخليج، وأفريقيا، والتنسيق مع العراق والأردن، ودوليا بالتعامل مع كل القوى الفاعلة، وهى نقاط يفترض لكل من يتابع أن يقرأها، ضمن خرائط عالمية لا تتوقف عن التفاعل.
الدولة المصرية وسط هذا الواقع الملتهب تتحرك بشكل مستمر وعلى خطوط متقاطعة وخيوط دقيقة، مع كل القضايا فى وقت واحد، وتسعى لبناء سياسة خارجية قادرة على التعامل مع ما يجرى، مع الوضع فى الاعتبار المصالح الاقتصادية والأمنية لمصر وأفريقيا، والدول العربية. ومن هنا يمكن النظر إلى التحركات المصرية خلال الفترة الماضية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، بالأمس كان التحرك فى القضية الليبية والدفع نحو المسار السياسى فى ليبيا، وقبلها وعلى مدى أسابيع كان التحرك تجاه أفريقيا بالتنسيق والدفع نحو التعاون.
وبالأمس استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس مجلس السيادة الانتقالى بالسودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقبل شهور زار الرئيس الخرطوم، انطلاقا من أن العلاقة بين شعبى وادى النيل فى مصر والسودان تأتى وسط إدراك البلدين لوحدة المصير والمصالح، خاصة أنهما من دول الجوار لليبيا تتأثران بما يجرى فيها، أمن مصر القومى فى الغرب، وللسودان من الشمال والغرب، ويتفق البلدان على دعم جهود الاستقرار فى ليبيا من خلال الليبيين أنفسهم، حيث أكد البيان المشترك ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، ودعم جهود التوصل إلى حل سياسى «ليبى ليبى»، واتفاق القوى الليبية على الانطلاق نحو المستقبل بما يحقق مصلحة ليبيا وشعبها دون أى إملاءات أو تدخلات خارجية.
ونفس الأمر فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر، الذى يمثل أهمية لمصر والسودان وجنوب السودان، وهو ما يفرض التنسيق والتعاون فى القضايا الأمنية، وأيضا فى الاقتصاد والتعاون الذى تفرضه التحولات الأخيرة، حيث تنطلق مصر من اعتبار التعاون بين الدول الأفريقية يمكن أن ينتج تكاملا اقتصاديا فى مجالات الزراعة والصناعة، بما يعود على القارة بالفائدة.
وتؤكد مصر إدراكها الكامل للظرف الدقيق الذى يمر به السودان، وضرورة العمل المشترك على ألا تؤثر التطورات الجارية على الساحة الدولية على جهود دعم السودان لتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادى، وتستمر مصـر فـى إرسـال حـزم المساعدات والـدعم اللوجستى والإنسانى للسودان، إلى جانب تقديم الدعم الفنى للكوادر السودانية وتفعيل كل برامج التعاون الثنائى، وذلك انطلاقا من مساندة مصر غير المحدودة للسودان فى كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وكذا الارتباط الوثيق للأمن القومى المصرى والسودانى، ويقدر الجانب السودانى الدعم المصرى الصادق فى كل المحافل لسلامة واستقرار السودان.
هناك أيضا تشابك بين مصالح مصر والسودان فيما يتعلق بالسد الإثيوبى، والتوصل إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل السد، الذى يسبب ملؤه من دون اتفاق أضرارا واضحة بمصالح مصر والسودان المائية، وتم التوافق خلال مباحثات الرئيس السيسى والبرهان، على استمرار التشاور والتنسيق مع التأكيد على الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصرى والسودانى باعتبارها مسألة أمن قومى، ومن ثم تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانونى عادل ومنصف وملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
وتمثل مشروعات التعاون الاستراتيجى بين مصر والسودان مصلحة مشتركة، والبنية الأساسية أهم نقاط الارتكاز فى التكامل الاقتصادى بين البلدين، ربط الطرق والسكك الحديدية والكهرباء فضلا عن أهمية الاستثمار الزراعى فى السودان، لتحقيق الاكتفاء الذاتى.
من هنا، جاءت أهمية زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالى بالسودان لطرح ومناقشة القضايا المشتركة، مع تأكيد مصر دعمها لوحدة واستقرار السودان شماله وجنوبه ودعم جهود السلام فى كل أرجاء السودان، الذى يشق طريقه فى مرحلة انتقالية يمكن أن يستعيد فيها قدراته التنموية والسياسية، ويتجاوز هذه المرحلة الصعبة لينطلق نحو المستقبل.
p