جاءت الحملة الإنجليزية بقيادة الجنرال «فريزر» إلى الإسكندرية فى مارس 1807 لاحتلال مصر، لكنها لم تذكر لأحد أسباب حضورها، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، مؤكدا أنها جاءت باستدعاء من محمد بك الألفى أكبر أمراء المماليك، وكان اتفاقه معهم على أن يشد أزرها مقابل أن تكفل للمماليك الاستيلاء على الحكم الذى كان فى حوزة محمد على منذ مايو 1805.
مات الألفى قبل قدوم الحملة بـ40 يوما، وحين وصلت استدعت أمراء المماليك ليكونوا مساعدين لهم.. يذكر الرافعى، أنه فى 21 مارس دخلت الحملة الإسكندرية بعد مقابلة محافظها «أمين أغا» وهو ضابط عثمانى كان متواطئا مع الإنجليز، واتفق معهم على أن يسلم المدينة، وسلم نفسه كأسير حرب ومعه حامية المدينة وعددها نحو 300 مقاتل.
كان محمد على يقاتل المماليك فى الصعيد، حين نزلت الحملة فى الإسكندرية، وفكر فى ضم المماليك إليه كخطوة أولى لمواجهتها..يذكر «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير، محمد على» ترجمة «عبدالسلام المودنى»: غامر بفتح قنوات التفاوض مع المماليك لإحلال السلام، وكان ما يعرضه عليهم ينطوى على دهاء كبير إذ يكتب: «لعلكم لا تجهلون أن الإنجليز على خصام مع سلطان المسلمين، وأنهم اقتحموا ولاياته، ودخلوا الإسكندرية بهدف الاستيلاء على مصر مثلما فعل الفرنسيون قبلهم، وهم لا يخفون أنهم أتوا بناء على رجاء الألفى لحمايتكم ولمنحكم النصر، لكن لا تصدقوهم وكونوا متأكدين من أنهم سيستولون على هذا البلد ولن يتركوا به أى مسلم، وفى الحقيقة الإنجليز ليسوا مثل الفرنسيين الذين لا يخضعون لأى دين، ولكنهم يتحركون باسم الحرية والمساواة، بينما هؤلاء مسيحيون مرتبطون بدينهم، وأنتم لا تجهلون كراهية كل دين لدين آخر، ومن غير المناسب إذن أن تعتمدوا على غير المسلمين وأن تستقووا بهم لقتال المسلمين».
يؤكد «الرافعى» أن محمد على أبرم الصلح مع المماليك بدهاء، وقبل شروطهم بأن يترك لهم حكم الوجه القبلى على أن يؤدوا له خراج الصعيد فى مقابل أن يكونوا معه فى محاربة الإنجليز، وعلى هذا الأساس أخلى محمد على الصعيد، وسار بجنوده إلى القاهرة، واحتل المماليك عواصم الوجه القبلى وتقدموا إلى الجيزة.
كانت خطة الإنجليز فى القتال أن يزحف المماليك على القاهرة ليحتلوها، مستعينين بصنائعهم المماليك، وفقا للرافعى، مؤكدا أن الجنرال فريزر وهو فى الإسكندرية تلقى تقريرا من قنصل إنجلترا فى رشيد عن حالة ما بها من قوات، وفى ضوء ذلك جهز قوة قوامها ألفين جندى للاستيلاء على رشيد، وفى 29 مارس 1807 زحف إليها، وتأهب لدخولها فى 31 مارس، مثل هذا اليوم، 1807.. يضيف الرافعى: «كان محافظ رشيد وقتئذ يدعى «على بك السلانكلى» وهو رجل شجاع ثاقب النظر يختلف كثيرا فى أخلاقه عن «أمين أغا» محافظ الإسكندرية، وتحت أمره نحو سبعمائة جندى، فعزم على مقاومة الإنجليز معتمدا على قوة الحامية ومشاركة الأهالى فى الدفاع عن المدينة.
يذكر الرافعى، أن «السلانكلى» أمر بإبعاد مراكب التعدية إلى البر الشرقى للنيل، حتى لا يجد رجال الحامية وسيلة إلى الارتداد، فلما شعر الجنود عند اقتراب الجيش الإنجليزى أن البحر من ورائهم، والعدو من أمامهم، صحت عزيمتهم على المقاومة إلى النهاية، وأمر على بك أن تتراجع الحامية إلى داخل المدينة، وأن يعتصم أفرادها والأهالى بالمنازل مستعدين للضرب وألا يبدأوا بحركة ما إلا عندما تصدر لهم الإشارة بإطلاق النار، وتقدم الإنجليز فلم يجدوا أى مقاومة مما أغراهم فى الاعتقاد بأنه استسلام، وانتشروا فى الطرق والأسواق يرتادون أماكن للراحة، وما كادوا أن يفعلوا ذلك حتى أصدر «على بك» أمره بإطلاق النار، فاقتحمهم الرصاص من كل صوب، وأخذ الأهالى يطلقون النار من النوافذ والسطوح، فدب الرعب فى قلوبهم وسقط الكثيرون منهم قتلى فى الشوارع.
انتهت الواقعة بهزيمة الإنجليز، وبلغ عدد القتلى منهم 170 قتيلا و250 جريحا وأسر 120، وبادر حاكم رشيد إلى إرسال الأسرى والقتلى إلى محمد على باشا فى القاهرة.. يذكر الجبرتى فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «أشيع وصول رءوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق، فهرع الناس إلى الذهاب للفرجة يوم الأحد «1 إبريل 1807»، ووصل الكثير منهم إلى ساحل بولاق، وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم.. ودخلوا من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم «ضابط» كبير وآخر كبير السن وهما راكبان على حمارين، والبقية مشاة فى وسط العسكر ورءوس القتلى معهم على نبابيت وعدتها 14 رأسا، والأحياء 25، وفى يوم الاثنين وصل أيضا جملة من الرءوس والأسرى إلى بولاق، وعدتهم 121 رأسا، و13 أسيرا وفيهم جرحى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة