لا صوت يعلو فوق صوت القذائف والرصاص المنهمر بين الجيشين الروسى والأوكرانى، منذ إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين انطلاق عملية عسكرية فى الأراضى الأوكرانية 24 فبراير الماضى؛ لتحتل الأزمة أولوية كل وسائل التواصل المرئية والمسموعة والمقروءة، وتتصدر صور وفيديوهات الصراع وصرخات الأطفال ومشاهد الهلع والفزع التى تكسو الوجوه، لتلقى بظلالها على الرياضة والاقتصاد العالميين.
لا نكاد نتصفح أى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى، إلا ويصادفنا مباشرة خبرا أو صورة أو مقطع فيديو عن الحرب الروسية الأوكرانية، وما تشهده من معارك ضارية بين الطرفين، وما تسببت فيه من مقتل مئات وفرار الآلاف خوفا من القصف والموت.
ما يلفت الانتباه فى تلك الحرب الضروس هو كثرة الأخبار المتضاربة، والصور والمقاطع التى ربما يكون معظمها غير موثوق، ويستخدمها الجانبان لتعزيز موقف كل منهما، فى إطار نوع من الحرب النفسية التى تعد واحدة من أخطر أنواع الحروب، إذ يستطيع أحد الأطراف من خلالها حسم معركة فى منطقة ما دون عناء أو مشقة، وهذا ما ساعدت فيه بكثرة مواقع التواصل الاجتماعى، لما لها من تواجد دائم وأهمية كبيرة فى حياة كثيرين.
بفضل هذا الانتشار الواسع، وسرعة الوصول والتأثير، تُعد "السوشيال ميديا" سلاحا ذا حدين، خاصة فى حالة الحرب، فإذا أحسن طرف ما استخدامها لصالحه كانت له الغلبة، والعكس بالعكس، وهذا ما نشاهده مؤخرا فى الحرب الروسية الأوكرانية، ومشاهد الدماء والدمار بين الطرفين، وتوظيف تلك الصور والمواد فى دغدغة مشاعر الشباب داخل أوروبا وخارجها، من أجل تجنيدهم ودفعهم للانخراط فى أتون الحرب الدائرة.
هكذا بات واضحا للعيان، أن هناك محاولات منهجية محمومة للشحن والتأثير النفسى، خاصة مع كثرة البيانات التى يعلنها كل طرف عن خسائر الآخر يوميا، والأضرار الجسيمة التى يقول كل منهما إنه ألحقها بخصمه، ومعارك الكر والفر المستمرة بينهما فى محاولة لرفع الروح المعنوية لدى الجنود والمواطنين، والتشويش على الصورة الحقيقية وما يُتداول من أخبار ومقاطع سلبية قد تمس هيبة بلادهم وعزيمة جيوشهم .
ربما تكون كثرة الأخبار والمقاطع المتضاربة من جانب الأوكرانيين عن خسائر الروس يوميا، أحد الأسباب التى دفعت المسئولين فى موسكو إلى اتخاذ قرارهم أمس بحجب موقعى فيس بوك وتويتر، وهو أمر يؤكد سطوة الميديا الاجتماعية وتأثيرها، ودخولها طرفا مباشرا فى صراعات الحاضر والمستقبل، باعتبارها أداة تأثير وتوجيه وتجييش مهمة وفاعلة، ما يُوجب النظر إليها من تلك الزاوية، والتعاطى مع ما يروج من خلالها باعتباره رسائل غير بيضاء طوال الوقت، وإنما قد تكون جانبا جديدا من أجيال الحروب الجديدة، يتعين ألا نتورط فيها أو ننساق إليها دون وعى وفهم.
باختصار، لا يجب أن ندخل الحرب من وراء الشاشات، لأننا من حيث لا ندرى قد نطلق الرصاص بما نروجه ونمنحه موثوقية ونرفعه إلى قمة التداول، كأننا نحمل أسلحة فى ميدان المواجهة بالضبط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة